Aug 4, 2020

تشرنوبل ‏في ‏بيروت: ‏عنبر ‏رقم ‏١٢


إنه عامي السابع والعشرون ينتهي بمأساة تسجل في التاريخ بالدم والدمع.

عام حافل كان منتظَراً بالآمال والأحلام، بدأ بأن فتكت الحرائق بغابات لبنان، ثم انتفض الشعب معلناً الثورة لعل الواقع يتحسن، فإذ به يسوء. لم يطل الوقت قبل أن يفتك فيروس كورونا بالقطاع الصحي ويتأزم الوضع الاقتصادي ويدب الهلع من جوع محتمل، وتطل بين الفينة والأخرى بشاراتٌ بالحرب. لم يكن ينقص البعير إلا شعرة تقصم ظهره، وإذ بهراوة تنهال عليه. 

انفجار عنبر رقم ١٢ سيخلد في ذاكرتنا وفي كتب التاريخ كما لو أنه الحرب، أو المجاعة، أو القحط، أو الفاجعة. لا يحضرني الآن إلا ذكرى مأساة مفاعل تشرنوبل. ما بعده لم ولن يكون كما قبله، وهذا بالضبط ما يحصل الآن. 
الأرواح التي خطفت من أحبائها ان كان بالموت أو الفقد ستظل ندبات غائرة في القصص التي ستروى على مر السنين، والأماكن التي شحبت سيُشار إليها في كل حديث حسب التغيير الذي سيطرأ عليها.

ليلة طويلة عنوانها الاستهتار بحياة البشر ستغير شكل الحياة في البيوت وعلى الطرقات وبين الأزقة. نهاية عامٍ من سِنيّي، انتهت معه حيوات كثيرة، وفجعت حيوات أكثر. 

اللهم ردّ للفاقدين أحبائهم، وبرّد جراح المصابين، وأثلج صدور المفجوعين، واجعل ليل بيروت هذا خاتمة أحزانها🙏

حنان فرحات ¦ ٤ آب ٢٠٢٠
١١.٢٥ مساء 

Jun 25, 2020

وردة ‏ودجاجة



لقد كنتُ يوماً وردة. يحيط الاسفنج الملون وجهي كحجاب، ويداي ورقتان خضراوان ضخمتان. لا أذكر ماذا كان لوني، ولا ترتيبي في الصف الخلفي من المشهد.

وبالرغم من جرأتي حينها وشجاعتي في تصدّر المشهد، إلا أنه تم اختياري ككومبارس في تلك المشهدية، فاختبرت مجبرةً خفة انعدام المسؤولية وروعة الذوبان في الصورة العامة.

انقضى النهار وبقيت المسرحية في ركن ذاكرتي الخلفي. تماماً كما كنت يومها واقفة دون قلق يُذكر. أغني مع الكورس، فلا يهمّ من ينشز ومن لا... لن يدرك أحد من الحضور مصدر الخطأ أو سببه، ولن يبقى للأستاذ المدرب فرصة للوم أو العتاب. تغني أبياتك مرتين ثم تصفق وتنحني في نهاية المشهد.

تمشّت الدجاجة، عجنت، خبزت، وبقيت الوردات واقفات. أضحك اليوم من الذكرى، أناس يهمهم أن يكونوا الدجاجة، وآخرون يفضلون الوقفة اللامبالية في خلفية الصورة، والواقع أنها لن تكتمل إلا بالاثنين معاً، وأن من الجميل تجربة الاثنين والترنح بينهما. 

ولكن شعب الخلف شعبٌ منقوص حقه في التقدير، يأخذ حصته الخجولة من التصفيق دون تعيين أو قصد.. لذا، فمرحى للوردات الأبيّات الواقفات تلكَ الوقفة، وللأشجار التي يقفن في ظلالها أو في جوارها، فهنّ جمالية المشهد وألوانه مهما قللت الدجاجات من شأنهنّ، أو فعل مخرج المسرحية.

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠

Apr 26, 2020

رمضان ‏في ‏الحرم


يستعد المصلون لصلاة التراويح، يتزاحمون للوصول إلى الصف الأول، ثم إلى صحن الكعبة، ثم إلى داخل الحرم، أو شرفاته، أو محيطه. 
يوم ذاك، لم نستطع إيجاد مكان أقرب إلى الكعبة من مجمع تجاري. 
إنه العشر الأخير من رمضان عام ٢٠١٠. 
يفترش الناس الأرض. كل أرض. 
تُغلق المحال قبل الصلاة بدقائق. 
كل امرء يومئذ إزاره سجادة صلاته، فتراها تغطي البلاط والاسمنت والزفت، حتى الأدراج. كل ما يمكن أن يتسع لجبهة يصبح مساحة للسجود. يتزود المصلون من مكة وغيرها للليالي الوترية، يحضرون معهم ما تيسر من تمر وماء. بعضهم يُكثر مما يُحضر ليُوزع على المصلين. 
أقف مصليةً مبتدئة في المكان الذي حظيت به. لا سجادة معي إذ إنني توقعت الصلاة في الحرم. لم أظن وأنا المسافرة إليه أن عليّ الحث بالخطوات أكثر. 
تجلس بجانبي سيدة فاضلة. تمد سجادتها لها ولي مناصفة. تسألني من أين أنا، ثم تخبرني أنها تركت بناتها اللواتي في مثل سني في منزلها الذي يبعد عن مكة قرابة الساعة. "لا استطيع أن أصلي التراويح غير هنا. رمضان يعني الحرم". 
أبتسم. ليت رمضان يعني الحرم لي كل سنة. 

أفكر الآن بعد عشر سنوات، هل تصلي تلك السيدة السنة هذه في الحرم؟ 

الله أكبر الله أكبر، حان وقت الصلاة. 

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠


Apr 17, 2020

خسارة!



أكتبُ الآن لأن لديّ مئة مهمّة يجب أن أنهيها غير الكتابة. لكن ما لذة الكتابة إن لم نقتنصها من مشاغلنا اقتناصاً؟ 

ترنّ في أذني منذ الصباح الباكر جملةٌ قالها أستاذ لي ولزملائي في الصف التاسع الأساسي، أي منذ 11 سنة تقريباً - مجدداً، أفكر في الماضي لأنني يجب أن أبقى حاضرة الذهن هنا في الحاضر تماماً-. 
"إن رسب أحدكم هذه السنة، سيؤخر تخرجه من الثانوية سنة كاملة. وبالتالي، فإنه سيخسر سنة كاملة هناك. سيسبقه الزمن. سيتخرج من الجامعة متأخراً سنة. سيلتحق بعمله بعد سنة. سيتزوج بعد سنة. سيخسر راتب عام كامل. ستتأخر علاوات عمله. كل ذلك بسبب هذه السنة. تفكّروا كم خسارة سيكلّفه ألا يضع كامل جهده في اختبار نهاية العام!"

علقت تلك الجملة في رأسي. صرتُ أشفق على المتأخرين. أفكر كيف سيكون شعورهم حين ينضمّون إلى صفٍّ طلابه أصغر منهم. كيف سيكون عامهم مع من هم أقلّ مرتبة في سلّم الوصول. 
صرتُ أُعمِل نفسي جاهدةً كي لا أخسر الوقت. أتطلع دائماً إلى الفرص التي ستأتي في وقتها تماماً. لن تتأخر ولن تتقدم قيدَ أنملة. 
حيت وصلتُ إلى الجامعة، لم يكن هنالك متسع من الوقت كي أرسم تفاصيل مستقبلي، لكن ذلك لم يكن مهماً بالنسبة إليّ. المهم أن أبدأ تماماً في الوقت اللازم. أن أنهي في الوقت اللازم. 

كانت عوارض الالتزام بالوقت تستفحل. بالرغم من ذلك، كنتُ أشجع من أراه متأخراً على المُضيّ قدُماً. كنتُ أفكر في أن السير مهم للوصول، مهما كان الانطلاق متأخراً. لكنني لم أستطع أن أقبل ذلك على نفسي. 
 درستُ تخصّصين في ذات الوقت، وسمحت لنفسي بأن أتأخرسنةً في إنهاء أحدهما لأنّه "اختصاصٌ ثانٍ" ولا يجب عليّ الانزلاق إلى جلْد ذاتي. 

ذاتَ مرة كنتُ أتصفح فيسبوك، وإذ بمنشور يهاجم أحد الأشخاص لكونه يستعلي على الآخرين لكثرة ما جمع من علوم. كان بمثابة صفعة لي حين ظننتُ أنني أحسنت صنعاً: "اعمل لتأكل بينما تتعلّم، اعمل لتُعيل عائلتك بينما تتعلّم، اعمل لتؤمن دواءك وأنت تتعلم، ثم افخر بنفسك".  

توالت الأيام. رأيت الكثير من المتأخرين (وفقاً لرسوبهم سنةً أكاديمية) يتجاوزونني وغيري. يختارون طرق حياتهم بشغف، ويتعاملون مع قراراتهم برويّة فيحققون ما يصبون إليه، فيما يعلَق الكثير من المتقدمين الناجحين عند خيار أو اثنين من الخيارات، فتتأخر مشاويرهم الحياتية.

مع الوقت، تلاشى وهج الجملة. 

عرفتُ أن ذلك الأستاذ كان يظن أنه يحفز الطلاب للنجاح، ولكنه زرع فيهم خوفاً أكبر، ونفخ كليشيهاتٍ مجتمعية في أذهانهم ستزيد الفرقة مع الوقت، وتوقع الخلافات.
بعد 8 سنوات  ونيّف من تلك الجملة، صرتُ مُدرّسة.

عرفتُ أن الخسارة الأكبر، هي أن يتذكرك طلابك في سياقٍ سيء الذكر، بدل أن يذكروا كلمتك الطيبة.

تعلمت أن السنةَ الأكاديمية ليست معياراً للنجاح أو الوصول. من وجد شغفه في مهنة قد لا يرغب بالتعلم الأكاديمي، ومن لديه وظيفة يستطيع الدراسة على مهل إن أحبّ، ومن يرغب ببناء أسرة يستطيع أن يجدول تعلّمه على أساسه. من يرغب بأخذ سنة أو نصف ليحدد خياراته أو ليأخذ نفساً أو ليؤمن القسط ليكمل علمه ليس متأخراً. 

والأكثر من ذلك كله، إن من يتأخر بسبب ظروف عائلية أو صحية أو كارثية كالحرب ليس متأخراً، بل هو متقدم جداً، لا ولن يسبقه حاملوا الشهادات، فالآلام والدروس الحياتية لا تدرّس في المعاهد، وأقساطها باهظة جداً، لا يرغب أحدٌ في دفعها.

صادفتُ طلاباً لي في مثل سنّي وآخرين أكبر. هذه التدوينة تحيةٌ لهم ولزملائي الذين اضطروا يوماً ما لأن يسيروا بمثل ما يتطلب المجتمع لا بمثل ما يقدرون عليه.

حنان فرحات | 2020

Apr 1, 2020

الطاعون

إنه الطاعون على الأبواب.
أغلِقت أبواب المدينة الوادعة على ساكنيها فأصبحت سجناُ كبيراً ، فيما صارت البيوت سجوناً صغيرة. أما الأضيق، فأسرّة المشافي، ومجاري الأنفاس. وأما الأطول والأصعب فالمشوار إلى الموت. 
زادت المدينة قبحاً، وذبل الربيع على طرقاتها، وصارت الفلسفات الملاذ الوحيد لفهم ما يحصل.
 ربما ليست قبيحة، تلك المدينة المتكئة على كتف الشاطئ. لكن ألبير كامو كان يراها كذلك. 
شخصياته الأرقة، القلقة، كانت تسير حيناً، وتضرب حيناً آخر، وتذهل أحياناً أخرى. 
كيف لمرضٍ بائسٍ أن يزحف كلحافٍ سميك فيرفع حرارة الناس ويضيق عليهم في أحرّ أيامهم. 
كيف للقدر أن يحوّلهم في لحظة إلى متأمّلين فيما كان من قبلُ من أحوال الحب واللقاء والفراق؟ كيف له أن يجعل التفكير مهنة، والفرح عملاً، والحزن عادة؟

ينسلّ الطاعون بهدوء إلى وهران الجزائرية، يكتب ألبير ما يرى بالتفصيل حتى لتشمّ رائحة الورد والكحول وتشارك في المآتم وتحضن الأحباء بعد اللقيا، في كلماته الكثير من المشاعر الجياشة، لربما يعود ذلك للغة الأصلية التي كتبت فيها الرواية، لكن سهيل إدريس أبدع في ترجمتها فلا تعرف أن لها أصلاً غير العربية. 

 قد يملّ البعض عند قراءتها، وقد يستصعب البعض مفرداتها. لكنني أحببتها بقدر ما آلمتني.

* يفسر البعض الطاعون سياسياً فيعتبرون أن ألبير إنما وصف دخول النازيين إلى فرنسا بالطاعون، وآخرون اعتبروا أن الطاعون مجرّد وصف شامل لكل شر قد يحل على البشر.

*ولد ألبير كامو لأم اسبانية مصابة بصمم جزئي وأب فرنسي توفي في صغره، له أخ أكبر، تزوج مرتين ثم لم يؤمن بالشراكة الزوجية، له  توأم من زوجته الثانية، توفي في حادث سير وهو بعمر ال46 بعد سنتين من نيله جائزة نوبل، وجد في محفظته مخطوط غير مكتمل عن سيرت الذاتية
* كتب ألبير كامو الناشئ في بيئة فقيرة في الجزائر روايته الطاعون إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، تفوق في دراسته واستحصل على منحة لإكمال تعليمه في الجزائر حيث درس الفلسفة

*لم أحب في الكتاب بعض النفحات في الترنح بين الإلحاد والإيمان ولكنني أتفهم وجودها


حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠

Mar 23, 2020

صلاة تشرنوبل


عام ٨٦؛ انفجر مفاعل نووي في منطقة تشرنوبل، وذلك في الاتحاد السوفيتي سابقاً. لم أكن قد ولدت بعد. ولا شك أن آثاره باقية حتى اليوم.
سمعت عن الانفجار بالصدفة، حيث أن أحدهم اقترح علي كتاب #صلاة_تشرنوبل، وقبل أن أبدا بالقراءة بحثت قليلاً عن الموضوع، فذهلت.

تكتمت السلطات على الانفجار. أخذت القيادات الاحتياطات فيما تركت الشعب بالعراء مع الاشعاع وجهاً لوجه. لاحقاً تم إخلاء بعض المناطق. أرسل عمال لطمر المنطقة بأسرها دون وقاية أو حماية. أرسلوا مقابل راتب أعلى، وشهادات تفوق وميداليات بطولة. في بعض الأحيان، لم يعط المسؤولون الكمامات للعاملين كي لايخافوا من التدابير فيستنتجوا خطورة الوضع ويتراجعوا عن العمل.
ظل العالم يترنح بين الشائعات فترة قبل أن تبان الحقيقة.

***

لا يجب علينا أن نقيّم مجزرة بهذا الحجم. عتبي على متوالية المونولوجات. إلا انني أفهم جيداً أن كل صوت تعرض لهذا الظلم يستحق أن يسمع.

بين لحظة وأخرى تمنع من لمس الأزهار، الجلوس على العشب، حضن قريب أو صديق أو زوج. يصبح أهالي تشرنوبل علكة في فم المتفلسفين وحالات هجينة بين يدي العلماء. يصبح عليك أخذ تدابير صارمة، تشرب اليود، أو يحترق داخلك بفعل الإشعاع.
كل ذلك، والسماء صافية. الأمطار وحدها تكشف الألوان المخبئة بالأفق.
ماذا حصل.
ينكر الكثيرون ذلك الانفجار. كل شيء على ما يرام. لكن الواقع أن المفاعل النووي لم يكن على ما يرام، ولا حتى الكرة الأرضية بأسرها.

تأتي قراءتي لهذا الكتاب ضمن موجة فيروس Covid-19 الأولى. أفكر؛ هل سيكتبنا أحد؟ هل سنحتاج أفلاماً تجسد واقعنا؟ هل سينسى أحد أننا محجورون منزلياً، نفكر في كل شيء قبل أن نلمسه؟ نعقم كل شيء بعد أن نشتريه؟ نقلق ضعفين على البعيدين؟ هل سينسى أحد خساراته؟ وهل سيطغى الإنسان بعد تجلي ضعفه أمام فيروس مايكروسكوبي؟

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠

Mar 9, 2020

"عدوّ خارجي"



في الحرب لا مكان للحياد، بإمكانك أن تكون إما القاتل وإما القتيل. أما مفهوم الشهادة فيُوزعه المُعَزّون. يقسمون الوفيات على مساقات الثواب والعقاب، وإن احتاروا فأنت "لك ما لك وعليك ما عليك"، وما عليهم إلى أين أنت ذاهبٌ أو ماذا فاعلٌ ربك بك. 

حملتُ أمتعتي وقفَلتُ عائداً إلى بلدي الأمّ. قررت أن أنتظم في صفوف الجيش وأؤدي خدمتي العسكرية بعد أن أمضيتُ حياتي هارباً منها، "متخلّفاً عنها". كان الوطن يُخيّل إليّ في المنام كل ليلة، كما لو أنّه نهاية درب طويل. وكنتُ أعيش في نصف غربةٍ حيث أحمل جنسيتين، لكنّ الفيء في البلد الثاني لم يحوّله وطناً. بقيت الغربة معشّشة في قلبي، والشوق يعبث في فؤادي إلى أن جاء الخبر بغتة متنكّراً بثوب الفرج. إعفاء للمتخلفين عن الخدمة العسكرية من عقوباتهم في حال قرروا الانتظام قبيل انتهاء المدة المذكورة. وهكذا كان. بعد سنواتٍ من الكرّ والفرّ، عدت إلى أحضان وطني، وانتظمتُ كمراهقٍ قرر أخيراً الانصياع لتوجيهات زوج أمه. 

عشرون يوماً وانتهى الصراع. طائرة "العدو الخارجي" التي كنتُ أدعو لها في الغربة أكملت مهمّتها حين وصلتُ، فأفرغت ثقلها علينا بحكم كوننا موقعاً عسكرياً. جفّت مشاعري ودعاءاتي، وصرتُ رماداً أحرقته الحرب بعد أن أحرقه الشوق. لم أعد أرى في المنام الوطن، فقد صرتُ منه، ولم أعد أهاب المستقبل، فقد صرتُ فيه. وأمّا مقعدي من النار أو الجنة فقد تهافت عليه المنظّرون، ولكنّ ربي لا ينتظر رأيهم. 


حنان فرحات | 2020
*المقال لا يعبّر عن رأيي الشخصي بل يمثل وجهة نظر كانت غائبة عن المشهد

Mar 3, 2020

مثل الواقع


إنهم يصورون حيواتهم في الأفلام، لكننا دائماً نحصر ما نشاهد ب"صندوق الدنيا". حين رأيت حقل الذرة ذاك، استلزم الأمر معركة حتى آخذ هذه الصورة حيث يحفّها طريق سريع لا رصيف له. كانت الإثبات المميز حتى إذا خانتني ذاكرتني لاحقاً أستشهد بها.
بيوتهم كما في الأفلام، شوارعهم، إشارات المرور، بيوت الفلاحين، حتى أشكالهم. بقيتُ مشدوهة لمدة من الزمن؛ هذا يعني أننا نستطيع بكل راحة ضمير أن نقول : أفلامهم كالواقع، حتى لو اختلف عن واقعنا.

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠
الصورة من صيف ٢٠١٩

زهر اللوز

" يمكنك أن تقول إنني معلّقة، لكن بعض الأشياء جميلة بالحيرة التي يولّدها انعدام توازنها، كزهر اللوز مثلاً، لا لونُهُ واحد، ولا وجوده دائم، ولا موقعه في الهواء ثابت..
ولو جئت تبرر ثبوته بثبوت أصله، فللنسيم الذي يحمل ريحه أن يشد من عزم قبضته قليلاً فيقتلعه.. لكنّ ذلك يختصر لاحقاً بكلمة أو اثنتين:
 بَرَدَ الزهر!
 وهل أقسى من البرد على الرّقّة؟ وهل أكثر حزناً من الصفعة التي تتلقاها الوريقات من حامل مِسكِها؟ لكنّ ما يهوّن الأمر مآل الزهر المحتّم، فهو إما إلى ثمرة فَيَدٍ ثم فمٍ إلى معدة، أو إلى برد فيهوي كالفؤاد المكلوم. وفي كلتا الحالتين،.. أظن أن عليك أن تنسى كل ما أسرفتُ في وصفه، ماذا كنا نقول؟ أنني كزهر اللوز، معلقة، وبعض الأشياء جميلة بالحيرة التي يولدها انعدام توازنها."

حنان فرحات | ٢.١٨

Jan 30, 2020

وجبة سريعة





أوصل طلبيته الأخيرة إلى زبون أصابه الجوع مع بزوغ الفجر، ثم أكملَ إلى منزله شبه غافٍ. ضحك من سخرية الحال؛ يوصل أشهى المأكولات ساخنةً بأسرعَ ما يمكن كي يُبقي على علاقة الزبون بالمطعم مميزةً، متحمّلاً مزاجيّتهم في اختيار توقيت تناول الطعام، وقلة ذوقهم أثناء استلامهم الطلبيات في كثير من الأحيان، وحتى أسئلتهم الحشرية أو نكاتهم السخيفة، لكنه حين يقفُل عائداً إلى وَكرِه مع بداية النهار، صديقُه الوحيد السّاهر هو الجوع، يجد نفسه يغلي كوب ماء يسكبه فوق وجبة المعكرونة سريعة التحضير ويتناولها بِنَهم قبل أن يَنكَبَّ نائماً على وجهه من فرط النعاس. 

يزعجه العمل في الليل كثيراً ولو أنَّ الناس في ذلك الوقت الحساس يصبحون أسخى، حيث إن كرامته لا تسمح -بكلّ الأحوال- أن يتقاضى البقشيش زيادة عن كلفة الطلبية بالرغم من الزيادة الملحوظة التي تُحدِثها على مدخوله. تبدو فكرة تقاضيها عبر التطبيق مباشرةً عند طلب الزبون ألطف؛ كما لو أنّ البقشيش يكون للمطعم بذاته، لا له. في هذه الحالة، لا يقلّ المبلغ أو يزيد حسب وسامته أو لُطفه، بل حسب مزاج وقُدرة الزبون. 

يتساءل أحياناً عن آرائهم به، أو الأفكار التي تجول في أذهانهم حين يفتحون له الباب بلهفة. يوقن أن اللهفة للوجبة التي يحملُ بعناية، لا له على وجه الخصوص، ولكنّه كان قبلُ ممن يطلبون الطعام إلى المنزل مع خدمة التوصيل –حصراً حين كان يضطر-. بالطبع لم يكن يطلب الطعام ليلاً، لكنّه –حين كان يطلبه وحيداً- كان يفكّر في مدى الحاجة التي تجعل شخصاً يُسخّر وقته لتلبية طلبات أناسٍ لا يعرفهم مقابل بدل مالي. ولو زادت مدة الانتظار، كان يرسمُ في مخيلته سيناريوهات عديدة لحيوات عمّال التوصيل. ربما معيلٌ لأسرة فقيرة، أو ابنٌ بكرٌ يتيم، أو طالبٌ يؤمّن مصروف جامعته. لم يتخيل يوماً أنه سيكون المرسوم في خيال أحد الزبائن بينما يوصل بنفسه الطلبية إليه. 



حنان فرحات | 26-12-2019

Jan 11, 2020

طابة

كالنيزك يضرب الأرض دونما استئذان، هوَيْتِ من السماء كأنكِ مطر السماء، ولم يحلُ لكِ أن تهبطي إلا على وجهي.

لا ضيرَ يا آنسة طابة، لكن خير الضيوف المستأذنون. مالَك تعبثين بوجهي كأنه عدوك اللدود، وتتركين آثار أصابعك على خدّيّ كالطفل اللعوب، لا يفقه الجدّ من المزاح!

#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة 

طيف الغمام

مرّت العملية بسلام.

مضت دقائقَ تفكّرٍ تحت جهاز معقد، لا يدرك المرء إلا ضوءه ورائحة احتراقٍ طفيفة ثم ينقشع الضباب وتتضح الرؤية؛ كأنما انقشع الغمام.

من كان يتخيل أن سنواتٍ قُضيت بصحبة النظارات الطبية ستؤول إلى الزوال، ويحلّ محلّها نظر سليمٌ تبرز فيه التفاصيل وتنجلي له آيات الجمال.

كانت أولُ فرحةٍ لمّا بزغ الصباح. فتحت عيني. ممنوع عليّ فركهما. رفعتُ رأسي عن المخدة ليسبح نظري في الغرفة. إنني أرى الساعة بوضوح على بعد مترين! كم يبدو شريط الأخبار لطيفاً بخطّه الصغير بعد ذلك! ولِمَ لم أنتبه يوماً أن الشجرة في دار منزلنا جميلة إلى هذا الحد؛ كثيفة الأوراق والأغصان. لكن لا يخفى على أحدٍ أن الإعلانات على جانبي الشارع أصبحت مزعجة. 

لقد أبهت ضعف البصر كثيراً من التفاصيل البديعة، وكان عوناً على غيرها، ثم أصبح فيما بعد سبباً في استشعار قيمتها واستذكار وجودها كل فينة.

مرت العملية بسلام، اتضح فيها البصر وتقوّت فيه البصيرة؛ كم من ما لا نراه وفيه الحلاوة، وما نراه وفيه البلوى. وكم من عابر سبيل يرى، وناظرٍ لا يرى.

#حنان_فرحات ٢٠٢٠ 
#تمرين_كتابة ١٢

Jan 8, 2020

ألعوبة

جِلسة المُعاقُب صعبة. جِلسةُ المظلوم أصعب. نشيج المحروم مسموع، صوتُ الموجوع أعلى. ولو أن الزوايا عرفت النوايا، لأصبحت منحنيات. لكن هيهات، هل يسمع الجدار إلا ما لا يجب من الأسرار؟ ليته يسمع الأنين فيحنّ على الشاكي ويلين. ليت السقف يصبح صدراً يتسع لعناقٍ طويل، وليت النافذة تكون، للحظة، مصدر السكون. لكن كثرة التمني لا تورث الغنى، ولا راحة البال. بل قد تزيد الشقاء كلما طال الموّال. وكلما طال الموّال، ضاق ذرعاً البال،... وزادت جِلسةُ المعاقب هماً.. وصعوبة. لكن ماذا يهم؟ فهو-وإن كان مظلوماً- في يد سيده ألعوبة!


#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة 

حُجّة

ظننتُ أن فرحتي ستكتمل لو عملت في مكتبة، أو سكنتُ فيها. وكان الخيار الثاني أنسب كلما دغدغتني الفكرة. لن أضطر لعمل شيء... أتفرغ للقراءة. كوب شاي سيَفي بالغرض لو صاحت معدتي، أو كَسُل دماغي. ولكنني اليوم بينما أتخيل المكتبة عالمي، راودني شعور غريب. نظرتُ حولي وإذ بالكتب تتحرك. وإذا بالرفوف تميل، وإذا بالجدران تهمّ بأن تدور. ركزت نظري إلى الأرض وحاولت العودة إلى الواقع. حاصرتني الأوراق الهاربة من دفات الكتب؛ الكلمات التي لم تسنح لها الفرصة بأن ترَاها عين، والعناوين التي لم يسبق لها أن ولجت قلباً. صرتُ كلما تحرّكتْ أعي حجم التقصير. لن أستطيع ولو عشتُ للأبد أن أقرأ كل هذا الكمّ من الكتب. لن أفيَها حقها بالقراءة والإعادة. ولن تكون لي حُجّة: أنا أسكنُ المكتبة!

#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة 

Jan 7, 2020

توضيب

هيّأتُ الزاد وأخذت نفساً طويلاً ثمّ عُدتُ لإفراغ الحقيبة. كيف لمن مرّت عليه السنون الظنّ بأن المتاع يقيه شر السفر. أمسكت بالفنجان وأعدته إلى مكانه في المطبخ. لن يداوي الشرب به الحنين. ثم تناولتُ معطفاً من  عدةٍ كنتُ قد وضبتهم. لن يطفئ بفرائه الشوق. صورة. لن توصل ملامح النضج التي تنبتُ حالما أغيب. مناديل ورقية. كأنّ المناديل ستنقرض. مسكن للآلام. مراهم للأوجاع. سينقسم ظهري وتفنى مفاصلي من ثقل الحقيبة لا من السفر. علبة دموع لجفاف العين. وكأن العين تجف حين تُفارق. هاتف. شاحن. شاحنٌ آخر. قنينة الماء المفضلة. أكوام من الأقلام والدفاتر المفضلة. من قال إنها ستبقى مفضلة؟ ماذا لو كان في الغياب ما هو أفضل. ماذا لو أن ما في القلب تحمله الحقيبة. ماذا لو أضع في القلب آلة الكتابة ومكتبتي والكتب وكرات الصوف ودفاتر الملاحظات.. ماذا لو أحمل في قلبي ما لا تتسع له الحقيبة؟

#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة 

Jan 6, 2020

لا مثيل له

كلّ يوم أنحت العصفور ذاته على لوحٍ خشبي ذو قياسٍ ثابت، وكل يوم تكون اللوحة من نصيب أحد: سائحٌ ينظر إلى العصفور كأنه صيده الثمين، شاب يصر على أن هذه اللوحة هي أنسب هدية لصديقته، رجلٌ يبدو كجامع للأثريات،... وحدي أنا الذي أكرر الفعل كل يوم. أنحت عصفوراً "ليس له مثيل في السوق"، قطعة واحدة لا تتكرر. التفاصيل ذاتها، كل يوم أدقها فتصدر الموسيقى نفسها وهي تشق ملامحها على اللوح. وحدي أنا الموقن تماماً أنني لا أكذب. لا شيء يُعاد مرتين. لا عصفور يطابق الآخر تماماً. الرجفة التي تعتريني كلما نقشت عينه تؤكد ذلك. 

#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة 

Jan 5, 2020

قيد الانتظار


أزهَرَ اللوز ولمّا تَصِل الرسالة. كان مُضحِكاً أنني أرسلتها في زمن الانترنت، وتَبِعتُها عبره بنظام الترقّب لضمان وُصولها، لكنها ضلّت سبيلها على أحد مفترق الطرق. كَتَبتُ فيها جملتين مقتضبتين، لأنّ الهدف لم يكن الكلمات بل فكرةَ الرسالة بحدّ ذاتها.

على الطرف الآخر كانت صديقتي تنتظر الرسالة على أحرّ من الجمر. ترسل لي رسالة نصية مساء كل يومٍ تستفسر فيها عن محطّة الرسالة التالية. مَضَت الأيام العشر ولم تصِل الرسالة. ثمّ أقبل الشتاء وتراكمت الثلوج، وصديقتي التي لم تَعُد تُرسِل لي رسالة يومياً، ظلّت تُراقب مدخل دار بيتها من النافذة لعلّ ساعي البريد يُطِلّ وبيده الظرف المنشود.

أزهر اللوز ولمّا يأتِ ساعي البريد، ولا بانَ للرسالة أثر. زُرتُ صديقتي أستأنس معها ساعةً من الزمن، فاقتربتْ منّي اقتراب المُذنِب وهمست لي: "صرتُ أخافُ أن تصِل... ماذا سأنتظر بعد ذلك؟".

#حنان_فرحات ٢٠٢٠
#تمرين_كتابة ٧

من للوحيدِ؟


فكرةٌ واحدة تضيء مصباحاً، وسيلٌ منها يكاد يضيء المدينة. فمن للوحيدِ سوى فكرته، تكونُ الرفيق المؤنس والمُحاورَ المناور..
ومنِ المجموعة إذا لم تتّحد على فكرة؟ ومن العائلة والأصدقاء؟ وما السفر والسهر؟ وما الترحال أو المستقرّ؟ وما الأمسُ إذا طواه النسيان؟ وما الحاضرُ غداً إذا لم يعِش في الذاكرة؟
ما الحروف إذا لم يجمعها المعنى؟ وما الكلمات إذا لم يجمعها المبنى؟ وما النصوص إذا لم تُقِف على فكرة، أقَلُّها في فقرة؟

#تمرين_كتابة ٦
#حنان_فرحات ٢٠٢٠

Jan 2, 2020

حذاء للبيع


مشكلتي التفاصيل.. المهمة. أنسى الأسماء، والوجوه والتواريخ وعناوين الأشياء. لكنني لا أنسى الأشياء. يبدو الأمر مضحكاً لمجرد ذِكره بهذه البساطة بينما أقع في الحرج مرّات ومرّات بسببه. إلا أن زبدة الأمر هي ما يهم، أليس كذلك؟
قيل أفصح القصص وأكثرها متانةً تلك التي لا يمكن أن تُنقص منها حرفاً، وقيل بل هي التي لا تستطيع أن تزيد عليها، فمعناها كاملٌ وموزون. وقيل: قدْر المستطاع اختصر! وقيل بل صِف واسترسل! وقيل لا تكتب عن الكتابة، فذلك أسخف ما قد يكون. وقيل ما يكونُ المكتوبُ غير عن ما يهيم به المرء؟ وهل يهيم الكاتب بغير كتابته؟ بل هل يفهم كيف تشده الأوراق بعنفٍ، أو كيف تضرب حَرْبَةُ الكلمات صدره؟ أوَ يفهم كيف تُغزَلُ الحبكة وتُخاط المعاني فيما ينامُ نومة أهل الكهف؟
هل لا يُكتبُ عن فن، أو بِدعةٍ، أو نعمةٍ، أو صِنعة تخرج مكنونات القلب إلى حيث نِعمَ المستقر؟
ألا يُكتبُ في فهمِ لغةٍ تستطيع تلخيص كونٍ بأسره في عدة كلمات؟ كأن تقول مثلاً : "حذاء رضيع للبيع، لم يلبس قط"؟
#حنان_فرحات
#تمرين_كتابة
٢٠٢٠

Jan 1, 2020

أخبار النيزك الذي سيضرب الأرض

تابعتُ في أواخر ٢٠١٩ صفحة
اخبار النيزك الذي سيضرب الأرض على فيسبوك. 

كل ما في الأمر أن المنشور ذاته ينشر كل يوم بذات الصيغة، مخبراً المتابعين أن النيزك لا يزال في الفضاء. 

أما الغريب العجيب، هو أنني وجدتُ نفسي أتفاعل مع المنشور كل يوم بطريقة، حسب مزاجي(مع علمي التام بأن الصفحة للفكاهة).

فلو كنت سعيدة، تكون ردة الفعل على المنشور "أحببته♥️" حيث هنالك متسع للحياة قبل وصول النيزك، 
ولو كنت فرِحة قد أتفاعل ب "أضحكني😝" من سخافة المنشور، 
أما لو كنت منشغلة (وأتصفح الفيسبوك) فأكتفي ب"أعجبني👍🏼" لأداء الأدمن المميز، 
وبالطبع، حال الغضب أو الحزن، يكون رد الفعل "أغضبني😡" أو "أحزنني☹️" حيث يكون الأمر مستلزماً وجودَ نيزكٍ لكنه لا يزال في الفضاء :). 

يمكننا أن نسحب هذا الأمر على بقية المنشورات.
إن الواحد منا يتفاعل مع منشورات الأصدقاء وغيرهم حسب حالته النفسية غالباً، وقلّما يكون التفاعل بموضوعية، ما يزيد المجال لسوء الفهم كلما ساء مزاج المتابِع.

#في_وداع_٢٠١٩
٣١-١٢-٢٠١٩
حنان فرحات 

كِذبة


"قل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً"، يقولها الأستاذ ويسير نحوي بتؤدة: "حنان. ماذا يقصد نزار بشطر البيت هذا؟"
أتنحنح في جلستي وأتمتم لنفسي بكلمات لا تصل إلى أذنيه.
"ماذا؟ قلتِ شيئاً؟"، يقول بصوته الجهوري.

أحب حصة اللغة العربية، وكتابة النصوص تحديداً، لكن تحليل ما كتبه شخصٌ معيّن لا يبدو لي على قدْر من الأهمية. ماذا يهمّ صبيّة أحلامها بِاتساع الكون من تحليل نص كتبه شخصٌ أكل الدهر على رُفاته وشرب...

"ما زلتُ بانتظار إجابتك،"
"لا أدري"
"حاولي، أنا موقنٌ أن لديك تفسيراً ما"،
"ربما يقصد.."

يقصد أن صبيّةً غبية تشحذ الاهتمام ولو كذباً! عدا عن أن الكذب إثمٌ قد يطول أنفنا بسببه، أو يُقطع لساننا - حسب الراوي-، لا كبرياء لديها لتطلب من شخصٍ سيكتبها يوماً في قصيدة ويأخذها يميناً ويساراً في بحور المعاني بينما يفسّر نظرتها! أغضب في نفسي منها، سوّدت وجهنا بنت الأوادم.

"يقصد؟"
" تسأل الفتاةُ الكاتب أن ينطق ويخرج من جموده ولو ادّعاءً، لأنه بحسب ظنها سيقول ما تودّ سماعه حقيقةً، لولا أن كبرياءه يمنعه من ذلك."
"وما الذي يدعم إجابتك؟"
"شطر البيت الثاني: قد كاد يقتلني بك التمثال. ومن بعدها تعريفه للحب الذي يبدو مختلفاً عما تختزله هي في سؤالها"
" جميل، أكمل لنا يا سعيد.. "

أعود إلى أفكاري. حُبُه هو اليد التي يقبّلها ولكنها تغتاله، إحساسه الدفين في صنمه، وسرّه الذي سيمزّقه، المعاني التي أراد أن يخبئها في صدره لكنها نبتت قصيدة تعذّبنا في حصص اللغة العربية.


#تمرين_كتابة 
#حنان_فرحات | ٢٠٢٠