Mar 9, 2020

"عدوّ خارجي"



في الحرب لا مكان للحياد، بإمكانك أن تكون إما القاتل وإما القتيل. أما مفهوم الشهادة فيُوزعه المُعَزّون. يقسمون الوفيات على مساقات الثواب والعقاب، وإن احتاروا فأنت "لك ما لك وعليك ما عليك"، وما عليهم إلى أين أنت ذاهبٌ أو ماذا فاعلٌ ربك بك. 

حملتُ أمتعتي وقفَلتُ عائداً إلى بلدي الأمّ. قررت أن أنتظم في صفوف الجيش وأؤدي خدمتي العسكرية بعد أن أمضيتُ حياتي هارباً منها، "متخلّفاً عنها". كان الوطن يُخيّل إليّ في المنام كل ليلة، كما لو أنّه نهاية درب طويل. وكنتُ أعيش في نصف غربةٍ حيث أحمل جنسيتين، لكنّ الفيء في البلد الثاني لم يحوّله وطناً. بقيت الغربة معشّشة في قلبي، والشوق يعبث في فؤادي إلى أن جاء الخبر بغتة متنكّراً بثوب الفرج. إعفاء للمتخلفين عن الخدمة العسكرية من عقوباتهم في حال قرروا الانتظام قبيل انتهاء المدة المذكورة. وهكذا كان. بعد سنواتٍ من الكرّ والفرّ، عدت إلى أحضان وطني، وانتظمتُ كمراهقٍ قرر أخيراً الانصياع لتوجيهات زوج أمه. 

عشرون يوماً وانتهى الصراع. طائرة "العدو الخارجي" التي كنتُ أدعو لها في الغربة أكملت مهمّتها حين وصلتُ، فأفرغت ثقلها علينا بحكم كوننا موقعاً عسكرياً. جفّت مشاعري ودعاءاتي، وصرتُ رماداً أحرقته الحرب بعد أن أحرقه الشوق. لم أعد أرى في المنام الوطن، فقد صرتُ منه، ولم أعد أهاب المستقبل، فقد صرتُ فيه. وأمّا مقعدي من النار أو الجنة فقد تهافت عليه المنظّرون، ولكنّ ربي لا ينتظر رأيهم. 


حنان فرحات | 2020
*المقال لا يعبّر عن رأيي الشخصي بل يمثل وجهة نظر كانت غائبة عن المشهد