Nov 25, 2022

رسالة رقم ١

شهد الغالية،

هذه الرسالة غير سابقاتها، أكتبها في وقتها تماماً، فلا يتغير الشعور ولا ينطفئ المعنى.
بك صار تعداد الأيام فنّاً، ومعك صار الوقت أقيم، والفرح أسمى، والحبّ أجلّ!

بك، يا ماما، أدركتُ كم تحبني أمّي.
هذا لا يعني أنني لم أدرِ من قبل، ولكن بعض الدروس أنفعُ بالتجربة. لقد قرأت صباحاً أنّ كل أنثى أمّ، وإن لم تلد. ينتابها شعور العطاء على هيئة حياة بكل تفاصيلها، فتُطعم وتهتم وتُداري وتطبطب وتسمع. وأنا إذ أبصرك حقيقةً بعد إذ كنتِ فكرة خلّابةً، ثم صرتِ حركةً أشعر بها في أحشائي، أدركت سرّ رغبتي العارمة بالطهي والخَبز، وسعادتي الجمّة بفنجان قهوة أعدّه. 

 أدركت أن الاستيقاظ معك أبهى من النوم المطمئن، والنوم على صوت أنفاسك أهنأ الليالي، ومحاكاتك أمتع أنواع السمر.. وبذا أدرك كم بذل والداي من الحبّ خلال مسيرة تربيتهما لنا، ولو أنه يخيل إليّ أنها ابتدت أمس، إلا أنها تكاد تلامس الثلاثين سنة.. هل ستمرّ سنوننا سوياً بالسرعة ذاتها؟ 

ماما،
يا قطعةً من فؤادي،
أتدرب يومياً على فكرة إفلاتك.. فأنا إن أمسكت يديك للأبد، لن تكون لك فرصةٌ للسير في رحلتك الخاصة! أحاول أن أتشاركك مع المحبّين، أن أتهيأ لأحلامك الكبيرة التي قد لا تتناسب مع تطلعاتي، وأن لا يكون لديك متسع من الوقت للدردشة صباحية قبل أن تتوجهي إلى عملك! ولكن هل عليّ الاستعداد فعلاً منذ الآن؟ 

أتفكر كثيراً فيما إذا كنت ستكبرين ابنة مدينة أم ابنة قرية.. أي انتماء ستعلنينه بفخر؟ أو هل سيتعلق قلبك بمكان أم بترحال؟ أنا التي كنت أرغب في بداية جميلة لك كتلك التي عشت-ولعل ذلك من أنانية الأم-، سأنقلها لك حكايةً طويلة قد تملّين من تفاصيلها أو تكرارها.. سأكتبها لك، وقد لا تحبين القراءة... ولكنك بذلك قد تكسبين أكثر من حياة! 
-لن أكتب عن قرية والدك، لعل الغيرة تدبّ في قلمه فيكتب لك-

كلامٌ كثيرٌ يا ماما، كلام كثير. لنا عودة في رسالة أخرى..

حنان¦ شحيم ٢٠٢٢

رسالة رقم ٢

شهد الغالية، 🍯

كل يوم يولد أطفال في هذا العالم. كل يوم يغادر أحدهم رحماً حنوناً إلى عالم يُظنّ أن يكون أكثر إشراقاً. كل يوم يصرخ أحدهم صرخته الأولى فيما يبتسم والداه، مذعورٌ لفراقٍ يظنه آخر الحياة، فيما يكون مجرد بداية.

تسير الأيام ببطء فيما ينظران إلى عينيه، حتى إذا ما التفتا عنه قليلاً هرولت الساعة كأنها تغافلهما. بعد أشهر قليلة وأخرى كثيرة، ينظران إلى الصورة الأولى بشغف ثم يقول أحدهما للآخر: كأنه الأمس!

يراقبان حركاته كأنهما في إعدادٍ مستمر لاختبار مهم. يتدارسانه، وزنه وطوله وملامحه، سَكَناته وردّات فعله، نومته وجلسته ووقفته وحروفه ونظراته.. يقارنان نموّه بمعدلاتٍ عالمية، هل يواكبها، أم يتقدم عنها، أم يتأخر؟

يفهمان معجزة الكون، كيف كانا وإلامَ صارا.. ويتفكران في غَدِه. لكن فيما هما في غمرة الأحداث وتسارعها، يظنان وليدهما الأفضل والأذكى والأعزّ إلى أي قلب على وجه الأرض... أنّ أحداً لم يكن بذكائه فيما يخطو خطوته الأولى، وينظر نظرته الأولى.. أنه الوحيد الفريد، الذي لا أفضل منه ولا أغلى.. ناسينَ - أو متناسين- أن المعدلات العالمية هي نتيجة لولادات كثيرة كانت كلها لأطفال يشتركون في أنماط وطرائق النمو.. 

أتعبتك يا ماما بحديثٍ حدثتُ به نفسي؛ الخلاصة يا عزيزة، كأنك قدِمتِ الأمس. وكأنك الأذكى على الإطلاق؟

أمك
بيروت في ٢٥ ت٢ ٢٠٢٢

*جعل الله لكل وليد حضناً دافئاً وسكناً آمناً، ولا حرمَ زوجين الذرية الصالحة🙏