Dec 25, 2012

على الحاجز

في بلدان العالم أجمع،
يقف المواطن على حاجز الجيش لليتأكدوا من أوراقه الثبوتية.. أو لاشتباه به.. أو لحدوث التباس..
''إلا عنا''..
فقد أضحت حواجزنا مراكز نستلم بها شهادتنا ونمضي..
نمضي، لكن ليس إلى وجهتنا.. بل إلى العالم الآخر، حيث العدل، وحيث الخبز، وحيث الحرية..
اليوم، غادرتكم أنا و تسعة عشر صديق.. ثمانية منهم أبنائي..
ارتقوا أمامي..
كما قد راقبتهم وهم يكبرون شبرا بشبر أمام عيني، راقبتهم وهم يموتون..
يهوون أمام ناظري كأوراق الخريف..
لم يقف حائلا، بينهم وبين الرصاصات القاتلة حبي لهم، ..
أعدموهم.. وأعدموني خلفهم..
لم أتألم والرصاصة تخترق صدري بقدر ما تألمت وهي تزرع في فلذات أكبادي ثمانية مرات على التوالي..
ويبقى عزائي الوحيد أن الموت سيجمعنا على مائدة من موائد الرحمن.. شهداء بإذن الله


--مأساة سورية أخرى--

Dec 5, 2012

أو أنه سيجيء..حين أقول

أمي..

جاء اليوم الذي أطفأ، فيه، موته غليلي، بعد أن أطفأت ذيوله عقب سيجارة في خدي..
جاء اليوم الذي اقشعر به بدني فرحا لفراقه..بعد أن اقشعر مرارا عند سريان الكهرباء في جسدي..
أو أنه سيجيء..
حين أقول:
"نسيت الألم كله في لحظة وصول خبره..
نسيت ضرباتهم على وجهي، وركلاتهم على رأسي، وربطهم لي على الكرسي..
نسيت طعم السوط على ظهري، وصوت الدولاب القادم نحوي، ومرارة الوقوف القسري..
نسيت ضيق الزنزانة، وصوت صديق لم يرأف به سجانه..
نسيت رائحة الجدران النتنة، وطعم كسور الخبز، وقطعة جبن عفنة..
نسيت العتمة، والاذلال، حتى أني قد أنسى خشخشة المفاتيح الصدئة..
نسيت تورم قدماي، وتخدير شفتاي، وخذلان جفناي في الأوقات الحرجة.."
..
أمي لن تنهال علينا بعد الآن، أياد تغرف بعضاً منا، وأخرى فاقدة للرحمة..
أمي،..
سيأتي ذاك اليوم، وتقبل دعواك أن يا رب
يا رب
 فك أسره
..

Nov 16, 2012

أغمض الجفن .. وأفتح






أغمض الجفن وأدعو..

رغم ثقبٍ أحدثته رصاصةٌ صماء...

رغم جرحٍ أجرمته شظية ..

رغم جرح غائرٍ ينزف...

أضرمته فظاعة الخذلان..

ألهبته مناظر الجدران.. من ضراوة العدوان تهبط..

تحضن الأرض، وتسحق أهلها، وتطوي صفحة الأحباب والإخوان..

--

ثم ذات الجفن أَفتح..

أرفع السترَ عن البؤبؤ،

غارقاً غطته دمعة..

ثم أركن ناظراً، والكون زرقة..

ألمح الأطفال تهتف..

وتشير،

لنجوم في السماء..

أصلها بستاننا، والفرع في العلياء..

--

 أقرأ :

--

في عيون الناس فرحة..

.فالأحبة،

 حيثما رحلوا.. عرائس،

أوليس للعرسان زفة..؟

وإن الزينة اليومَ..صواريخٌ وأدخنةٌ وتكبيرات..

وإن الذعر مرسومٌ..

ومزروعٌ..

ومنحوتٌ..

بقلب جبانِ غاصبنا..

 بقلب العاشقِ الولهان

 هاوي النفسِ والدنيا..

بقلب ضريرِ الحورِ والفردوسِ والنعمان...

--

وللحائط..

سأسند الظهرَ للحائط،

وأمسح دمعة ذُرفت..

وأدري..

 أن أرواحاً، من اللحظاتِ قد سرقت..

وللجناتِ قد سبقت..

وأدري..

أن الردًّ للعدوانِ، لن يُدفن..

وأن الجند في القسام، لن يُخذل..

وأن الجند أحرارٌ

و أن للأحرار رب قادرٌ،

وأن للأحرارِ وعدٌ منه لن يخلف..

16-11-2012
حنان فرحات..

Oct 12, 2012

خربشات


خربشات
مجلة القبس - العدد السابع 
"كل فنان يغمس ريشته في روحه، ويرسم طبيعته على لوحاته"
Henry Wart Beecher
بعد نهاية العام الدراسي، جمعت كتبي ودفاتري أتصفحها قبل أن أقوم بتصنيفها وتلف ما لا حاجة لي به. ولاحظت أن معظم الصفحات تحمل أثراَ لقلمي، فهنا سهم، وهناك توقيع، وفي الزاوية خربشة، وقرب العنوان زخرفة، وفوق الصورة أكوام من الخطوط. أسرعت والتقطت صوراَ لها كلّها كي لا أضيعها، فكل منها تحمل ذكرى بسمة أو ملل أو محادثة عابرة. وفي زيارة إحدى رفيقاتي لي في منزلي، جلسنا نشاهد خربشاتي ونسترجع صوراً صاحبتها من الماضي. وبعد أن أنهينا، قالت لي ممازحة: "واضح أنك ركزت كثيراً خلال العام!".ِ
في الواقع كان تعليقاً محرجاَ، فعدد الرسوم لا يدل بتاتاَ على كوني موجودة في الصف خلال العام الدراسي... إلى أن اكتشفت مغزى الخربشات وجئت أشارككم به.
ما هي الخربشات؟
هي تلك الخطوط الغير متناسقة، والأشكال المتشابكة، والرموز اللاواعية التي نخطّها خلال وقت فراغ، أو ملل. فلو رأيت قلماَ وورقة بجانب الهاتف خلال محادثة طويلة، هل ستبقى الورقة بيضاء؟ أم أنك ستمرّر القلم ذهاباَ وإياباَ عليها؟
وللخربشة فن خاص:
“Doodle Art”
 وهو عكس فن الخطوط المتوازية المتناسقة:
“Zentangle”

ماذا يعني أن "أخربش"؟
يفسر علماء النفس الخربشة حسب نظريتين:
الأولى تعتبر أن أحلام اليقظة ثلاثة أنواع، هي تحقيق الأمنيات، والقلق، والتخطيط للمستقبل. وتفسر الخربشة على أنها نوع من الأحلام البصيرية المتعلقة بتحقيق الأحلام.
أما الثانية، فتعتبر أن الخربشة إنما هي سبيل لمنع أحلام اليقظة التي تشتت الانتباه وتحول دون التركيز في الواقع،  فتبقي العقل على اتصال بالواقع عبر إقامة قناة بين الوعي واللاوعي، فلا تحصل مبالغة في هذا ولا ذاك. وهذه العملية أشبه ما تكون من العملية التعلّميّة.
وفي كلا الحالتين، تعتبر الخربشة محفزاَ، إما لزيادة الطموح حسب النظرية الأولى، أو تسهيل العملية التعلّمية حسب الثانية.
أما علمياَ فهي ربط للجزء الأيمن من الدماغ (المسؤول عن القراءة والكتابة) بالجزء الأيسر( المسؤول عن جمع المعلومات).
ماذا أستفيد عندما "أخربش"؟
الخربشة :
وسيلة لإزالة التوتر والاسترخاء،وتعتبر البديل الأمثل للتدخين ومضغ العلكة.
وسيلة لملء وقت الفراغ، أو الترويح عن النفس عند الملل.
تحرير للدماغ،وتهيئة لتفرّغه للنشاط الذهني.
وسيلة لزيادة المكتسبات التعلمية السماعية بنسبة 29%.
مرآة للداخل الإنساني، تعكس طبيعته الدائمة، والحالية المؤقتة.
تمرين إحماء للفنانين، يتجاوزون به الورقة البيضاء المثبطة عند بدء الرسم.
مفتاح للطب النفسي، يفسر بها الأطباء نوع المرض ومدى تأزّمه، ويبتدؤون به جلساتهم العلاجية.
تشخيص الخربشات
تمنح الخربشات فكرة عن ثقافة المرء، وخلفيته، وأحياناَ مستواه التعليمي. إنما يستحيل توقع عمره أو جنسه. وتستعمل الخربشات في القياس النفسي.

 وهذه أمثلة عن المعاني العامة لبعض الرموز الشائعة:
خط أفقي: شخص فظ، صريح، ذو أسلوب مباشر.
الصفر: شخص تنافسي.
النجوم: شخص يطمح للمثالية.
نجمة خماسية:شخص ذو طموح موجّه.
سهم إلى الأعلى: طموح.
سهم أفقي: إدراك حسي.
أسهم في كل الاتجاهات: انفتاح ذهني.
دوائر: استغراق في أحلام اليقظة.
مربعات: عقل منطقي عملي دقيق.

أما الخربشة حسب الموقع في الصفحة:
يسار الصفحة: تحفّظ معين واستغراق في الماضي
يمين الصفحة: نظر إلى المستقبل، وتوجّه اجتماعي
وسط الصفحة: رغبة في الكون محور الاهتمام
اعلى الصفحة: تقدم وحماس واندفاع
اسفل الصفحة: تردّد وتراجع
شخصيات مخربشة
ليوناردو دافنشي
أتت إبداعاته ورسوماته من خربشاته، فقد وجد على مسوداته خربشات لأشكال متعددة السطوح.
مات جرونينغ
بدأ بالخربشة في أول يوم مدرسي له، وابتكر شخصيات "آل سمبسون" الكرتونية الشهيرة في أميركا.
بيل غيتس
ترك صفحة عليها خربشاته في المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا أوائل عام 2005. وبعد تحليل الخربشات، تبين تميزه بكثرة أحلام اليقظة، وأسلوبه العلمي البنّاء تجاه المشاكل.
خربشة أخيرة
ما لاحظته أثناء تصفّحي لكتبي أن خربشاتي انتشرت بكثافة في كتب المواد الأدبية والإنسانية أكثر منها في كتب المواد العلمية. وقد يعود ذلك لتركّز وسائل إيصال المعلومات في هذه المواد على التلقين من قبل المدرّس، والتلقي بالاستماع من قبل التلاميذ.
فحبّذا لو يخيّر مدرّسوا هذه المواد طلابهم بين التدوين، والخربشة على الدفاتر (لا على أثاث المؤسسة التعليمية)،إلى جانب الاستماع، فيزيدون الكمية المكتسبة بنسبة 29% أكثر من الإصغاء.


حنان فرحات

Sep 22, 2012

رواية: الزمن التالي


الزمن التالي

ل: فاتن المر


ملخص:

تقفز بين ال"هو" وال"هي" في سطور روايتها، لتنقل الأفكار والأحداث من منظورين مختلفين بطبيعة اختلاف آدم وحواء. ومن الصعب أن تدرك في البداية إذا ما كان "الزمن التالي" هو الحاضر الذي تلا الماضي، أم انه المستقبل الذي سيتلوا الحاضر. إلا أنه في كل فصل من فصول الرواية، يتغير تعريف الزمن ليحوي أبعاداَ أخرى أشد إيلاماَ من سابقتها. فالقصة تروي تفاصيل من حياة الكاتبة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان فيما سمي-حرب تموز.
تصف فاتن،  بدايةَ، الزمن الذي وصلوا إليه، حيث تناسى أصحاب القضية مبادئهم، ودفنوا مع جثامين شهدائهم  انتصارهم لمعتقداتهم وأملاكهم  وقيمهم. فتواروا بذلك خلف الضوضاء ليغضوا نظرهم عن الفساد الذي أضحى شاملا للقيادات والشعب على السواء.
 هو زمن الأعصاب المشدودة حيث ينتفي مبدأ الحوار الهادئ والنقاش المجدي... زمن تختلف فيه الأولويات، خاصة بعد ان تضحي هي بعائلتها لترتبط بشخص لا يوافق رغباتهم..و يكون هو قد ضحى من قبل بزوجته وابنه في محاولة لاغتياله سرقتهم من حياته...
تتكلم على زمن تعود فيه لتلتقي بأصدقاء الصبا، فتلحظ الأثر الذي تركه الزمن عليهم..ويلتقي فيه زوجها برفاق السلاح والمقاومة بعد أن يفك أسرهم..فيرى الوقت قد سلبهم جلَدهم وأورثهم الخوف بديلاً عنه..
تتكلم على زمن ينحر فيه الوطن بنسائه وأطفاله وبنيانه...على ميتم يهدم على رؤوس قاطنيه... على مشافي تضيق بمرضاها... على شعب يعيش على المهدئات كي يستطيع كبت عويله وصراخه...
هو زمن يحل فيه التعب على النفوس والأجساد بعد ان تعصف رياح الحرب  بأحاسيسها المدوية من الخوف الى الامل  الى اليأس الى الحزن الى الفرح بالنصر...بعدها، هدوء قلق وترقب لما سيحصل، دون أي سلطة على ذلك. ..هو زمن  يتوجب على الشعب أن يخوض فيه مصالحة مع الجسد، وأخرى مع النفس، واخرى مع الذاكرة...
زمن فاتن المر هذا ، يجمع بين من يصاب بطلقات الرصاص فينزف دون ان ينبس ببنت شفة...يكابر على جرحه الغائر.. وبين من يتاوه بمجرد ان يشم رائحة الدماء... في زمنها توجب عليها ان تحمل همها، وهم زوجها، وهم الايتام، وهم أصدقائها...وهم الوطن ! لكنها أنهت لوحتها حين غادرت بعد دوي انفجار ما...
سال الدم بكثافة،...سبح رأسها بعيداً عن جسدها..حينها فقط..أحست بالعدل...ووجدت إجابة على سؤالها المعتاد: "لم يسقط بعض الشهداء في الحرب دون غيرهم؟ لم هم، ولست أنا؟؟...فسقطت هي..وأشرفت على زمن تال،مبهم المضمون والقسمات.

رواية : مذكرات دجاجة

مذكرات دجاجة
للدكتور: إسحق موسى الحسيني- 1943


ملخص:
يصف الدّكتور إسحق في روايته هذه حياة دجاجة كان يطعمها بيده ويراقبها يومياً،..ولعلّ حياة دجاجته هذه  التي كانت على قيد الحياة عام 1943 هي أقرب إلى الحياة البشرية المثالية النادرة الوجود في مشارف عام 2013..
فالدجاجة بعد انتقالها من منزلها القديم إلى كنف الدكتور الراوي، لم تزل تمدح مالكيها القدامى وصديقاتها اللواتي فارقتهن، وتبرر لهم إبعادهم لها عن مجتمعها الصغير، وتأسف على ذلك بالرغم من قلة الطعام الذي كان يقدم لها.. فهي قنوعة، محسنة الظن، ووفية، ذات لسان فصيح وعقل واع وحديث عذب وسرعة بديهة.
وحين ألفت المنزل الجديد، واعتادت على وفرة الطعام، وتنظيم وقت الوجبات، والنظافة الدائمة، استشعرت نعمة الحب التي يشارك الديك بها دجاجاته، ونعمة العدل التي ترسي بينهن مبدأ الإيثار والكرم. فكانت العون لزوجها الديك في عجزه، متفكرة في الخلق وتفاوت القدرات بين الصحة والمرض. ولم يفتها التخطيط لمواجهة المخاطر إذا ما غاب عنهن سَنَدُهُنَّ ووليّ أمرهن، فهنّ وإن كنّ إناثاَ، لهنّ الحق في البقاء والشعور بالأمان.
ثم سعت هذه الدجاجة النجيبة إلى تقويم طبائع أترابها من الدجاجات، لتَوحّد شملهن بعد أن تشتّت. فتحملت نعت الدجاجات لها بصفاتهن وأهوائهن من حسد ونفاق وشره وخيانة وغيرة. وصمدت أمام تكاتفهن لصدها عن تطبيق مبادئها. وكان إذ مات الديك ..فبكين عليه بكاء المفجوعات إلى ما شاء الله، ثم تفرقن عن بعضهن لا يجمعهن إلا سور القن، فجمعت الدجاجة العاقلة أترابها، وتكلمت فيهن موضحة انهن ضعيفات إذا تفرقن، قويات شديدات إذا اجتمعن، وأنما سلاحهن الباقي هو الإيمان والتكاتف. فانكفأن يواسين بعضهن بفيقدهن ويذكُرنَ محاسن بعضهن.
وعاد الحنان والرفق إلى القن،..حتى كان يوم نزلت فيه غريبة إلى الديار، ملتجئة خائرة القوى..تشكو كبر الأسرة وقلة مؤونتها وقسوة طبائعها. فوجدت ما تبحث عنه من الأمان والتفاهم والاستقرار. وقررت العاقلة الاطلاع على ما وصفت الغريبة، فغامرت بمغادرة القن، وبعد سير مضنٍ ، رمت ما حملت من الحبّ السمين أمام السياج ورأت من صدق أقوالها ما رأت. ولم تمض أيام، حتى قررت الغريبة العودة إلى مجتمعها الأصلي لتزرع فيه مبادئ العاقلة، وتبلغ رسالتها السمحاء.
وفي صباح يوم دافئ، خرج إلى الوجود خمسة عشر مولوداَ، أصبحوا الشغل الشاغل للعاقلة، فتولّت تربيتهن وتنشئتهن على حب الخير والإيثار والنخوة، وفصلت بينهم في النزاعات  والمشاكسات.وكانت لهم الدليل إلى الكدّ والتعب في سبيل كسب الزاد في أوقات الشح والقلّة، فمثّلت لهم الثورة على سور القن والحدود القديمة التي ستؤدي إلى هلاكهم في ظلّ تغيّر الوضع المعيشي.
واشتاقت العاقلة للغريبة، فقررت الخروج للاطمئنان عليها، ومشت على غير هدى، لتواجه عقبات عديدة في طريقها إليها. ومن ذلك أنها واجهت عملاقاَ بشريا قام بملاحقتها فراوغته بذكائها حتى أضاعها او بلغه من التعب ما أوقفه عن ملاحقتها. وصلت إلى حدود قن صديقتها، فالقت عليها نظرة من بعيد، لتراها تسير وتأكل الحب بين أترابها في جو من المودّة، الأمر الذي كان كفيلاً لإبلاغها أنها نجحت في مهمتها.
وعند عودتها، قصّت على أترابها ما واجهت، فانخرطوا على مدار عدة أيام يروون ما يعرفون عن العمالقة ويتناقشون في أمورهم.. وعجبوا لتقويم البشر أنفسَهم دون قاعدة محددة. فتارة يقدرون أنفسهم بالمال فيقولون فلان يساوي وزنه ذهباً، وتارة بالقوة فيقولون فلان يساوي ثلاثة رجال، وتارة بالجاه وتارة بالرذائل وتارة بالفضائل وتارة بالعقل وتارة بالعلم وتارة بالنسب..! ونسَبت الدجاجات كثرة الموازين لضخامة الجثث البشرية..!
وفي يوم، بعد أن أووا الى المضاجع مبكرين، بعد أن نعموا بالطعام والشراب اليسير، فُتح الباب وجالت يد العملاق المالك تقبض على أتراب العاقلة وتبعدهن عن الأنظار..حتى بقيت العاقلة والدجاجات والديكة حديثي العهد فقط في القن. وقد عرف من بقي مصير من رحل، ودبت فيهم رغبة الانتقام.. فعادت مبادئ العاقلة لتسوّغ ما حصل، وتحكّم العقل لا العاطفة، وترفض الظلم ، وإن كان في مقابلة الطغيان.
وتوطدت العلاقة بين الأم العاقلة وحديثي العهد، وأصبحوا يخرجون إلى الطبيعة سوياَ، يتنزهون ويتأملون تساوي الزهور وقناعتها بمصيرها دون خصام على بقعة أرض أو حسد على لون أو غيرة من شكل. وبعد العودة من إحدى النزهات، إذ بالقن يمتلئ ضجيجاَ مصدره ساكنون جدد، فتقاسموا المأوى، وقضوا ليلتهم في ضيق.. إلى أن جاء الصباح.
وحين استيقظت القاطنات الجدد، شهدن وداع العاقلة لأبنائها، إذ أرسلتهنّ رسلاَ يحملون مبادئها، كلٌّ منهم إلى بقعة من بقاع الأرض.. وعادت إلى القنّ لتقوّم من جديد طبائع أترابها الجدد، وتمحو ما فيهم من جهل واعتقاد بتوجب معاملة الكبار للصغار بتسلّط وقسوة واستغلال.

Apr 27, 2012

فلك البقاء-- لسان حال شخص يدفن حيا من قبل الشبيحة

لو كنت أدري أنك المفتاح، لاتّخذتك رفيقة دربي...
لم يعد في وسعي الآن أن أشكرك، فقد كمّموا فمي وأحكموا الوثاق..
أراك، من خلف العصبة التي تكاد تخنق رأسي، محدّقة إليّ بعين لامعة دامعة...
أراكِ ولا أراكِ...
عاجز أنا عن المسير نحوك، فقدماي تحت التّرب قد غُرست..تماماَ كجذور الزيتونة الشّماء...
عاجز أنا عن احتضانك، فيداي خلف ظهري جاثمتان، فوقهما أكوام من الغبار والحصى...
تسمعين صوتي كما اعتدتي: أكبّر وأشهد...لكن هذه المرّة قد تكون الأخيرة..فاحفظي نبرة صوتي،واسرقي كلماتي من آذانهم..ونقّها من شذى السّعال..وسلّميها أمانة لمن سيصونك من بعدي...
عزيزتي...
لا تأبهي بغياب رأسي تحت الثرى الطاهر..
لا تأبهي بخفوت صيحاتي أمام عدو قاهر..
فاليوم أُزرع بذرة في رحم أمّي... وغداَ أُسقى من عذب الدماء...من ثَمَّ أنبت صيحةً هدّارة تشقّ عنان السّماء..
سجّلي للتّاريخ يا عدستي...
إن انا أغمضت عيني...فلك البقاء...

Mar 20, 2012

"وعاشوا بسعادة وهناء!!"


"وعاشوا بسعادة وهناء!!"

منذ زمن غير بعيد، قررت أن أدوّن خواطري..وإذ بها تتحوّل قصة متسارعة الأحداث، لتنفجر في النهاية. أعجبت البعض...وتلقّت النقد من آخرين، كحال غيرها من القصص.

كانت محاولة أولى، فصلها عن الثانية نصوص متشتتة المحاور، موحّدة اللغو والأسلوب. ولكن الثانية في خاتمتها كانت أقرب إلى الأولى..فانفجرت!

وإذ بها في باطني نقمة على النهايات السعيدة! كم الِفت الأفلام الكرتونية التي تنتهي ب"تزوج الأمير الأميرة وعاشوا بسلام إلى آخر الزمان.."..وكم قرأت قصصا آل مآلها إلى " وعاشوا بسعادة وهناء!"..

ولكن أحداثها لم تسكن ذاكرتي، .. بل لم أحفظ سوى الوقائع الحزينة التي جعلتني أذرف الدموح أحياناً متمنية النهاية المعتادة..

غريبون هم! يصورون الحياة أبديةً، ويزرعون في الأطفال صورة مشوهة عن الواقع، فيظنون الحياة مطَبّاً واحداً، اجتيازه كفيل بالوصول إلى الخاتمة السعيدة. ويتناسون أن الحياة استمراريةُ العراقيل، ولذةَ تجاوزها في كل مرة هي خاتمة لمرحلة وبدايةٌ لأخرى..
فيا قلمي،..لا ذنب لك! لكنّني لن أحوّل مسارك قسراً..فأنت أدرى بما في داخلي،منّي. أستطيع ان أرى سعادتك بانفجار الختام، فلتكن سعادتك هي العنوان

Mar 4, 2012

حين جفّ القلم

حين جفّ القلم
على غير عادته، لم يتمكّن قلم الرصاص من الإستقامة.. فآلة الحرب لم تزل تزهق الأرواح منذ أشهر..وهو لم يزل يدوّن أسماء الشهداء وأعدادهم..وكأنّه يتسابق وإيّاها..هو يكتب، وهي تزيد.. فيمحو ويصحّح ما كتب كي يتحلّى بال"مصداقية" التي يندر تواجدها، إلا في بصماته...
هنا دبّت النخوة في صديقه، فانتصب قلم الحبر متعامداً ودفتري.. مرّرته على المسودة مراراً حتى كدت أن أيأس من إمكانية رؤية أثره..منذ زمن لم ألجأ إليه، فعناده وتكبّره على المحو والتصحيح ينفرانني منه.. إلّا أنّه استجمع قواه في اللحظات الأخيرة ، ربما غيرةً من قلم الرّصاص، ولفظ أنفاسه بصعوبة نازفاً على أوراقي...
نزيفٌ طال انتظاري له  في جمود الشتاء..جمود في شجاعة الأعزاء ،..وفي نصرة الأشقّاء،..وفي نخوة الشّرفاء... لم يحرّكه فيضان نهر العاصي بعد أن اغتسل بالحمرة، ولم تهزّه نسائم الهواء التي بدل أن تكون عليلة أضحت مُعِلّة..
لا أدري بالضبط لمَ انتظرته .. ربما لأموّه المشاهد الحمراء التي تحتل ذاكرتي، ببريقه..أو لأغطي به بصمات العارالتي تركها المتخاذلون تواقيعاً، بعدما رفض القلم مشاركتهم في الخيانة.. أو لِتَهَبَ لأوراقي لوناً آخر، غير لون السماء والأرصفة والمستشفيات.. فقد توحّدت جميعها واصتبغت بالرمادي الممزوج بالأحمر.. لا أدري أهي "الموضة" أم لا.. لكنّها بكلّ حال لم تَرُق لي...
لم يصدّق قلم الحبر وصوله إلى أول الصفحة، فبدأ بهمّة يقفز من سطر إلى سطر ويؤرّخ الصور والمشاهد والقصص...
قصف عفيف لم يطل سوى الأطفال والنساء.. فهم مصدر التمرّد والعصيان!
قنص محصور بمن يتواجد في منزله، أو في الشارع، أو في المدرسة، أو في أي مكان!
اعتقال للشبيحة المتمثّلّين بالطلاب الجامعيين، وطلاب المدارس، والعلماء، والطواقم الطبية وكل من يشغل او لا يشغل أي وظيفة أو منصب أو صفة معيّنة!
حرمان من الكماليات كي لا يستطيع المتمردون التحرك بسهولة، مثل المياه والكهرباء والغاز والمازوت والبنزين والكاز والشموع والمسكنات والمطهرات والخبز وال... فقط!
..
 هنا رفض القلم أن يكمل، فقد أحس بمرارة ما تجرعه قلم الرصاص..
أعلن استقالته وعاد إلى مكانه ببطء ليبتلع ريقه بعد أن جف...