Dec 15, 2013

بين دفّتين




من فصيل الشوق الذي يعتري البشر، ويدخل الوجدان دونما استئذان، ومن بين المشاغل التي لا ألبث أن أخرج من بعضها حتى أغوص في البعض الآخر، تراني أشتاق الكتابة.. فأحنّ إلى لحظات قليلةٍ أخلو فيها بقلمي، فأبوح له بالأفكار الوليدة التي إن لم تخرج إلى الوريقات لِتُدَوَّن، ستخرج أجنّة ميتة.

ولكنّ الشّوق للكتابة، الذي ينطفئ بمجرّد أن أن أكتب بعض السّطور، معاناةٌ لا تضاهى بالحنين إلى القراءة.. فأنا، حين أكتب، أكتب ما أريد، كيفما أريد.. ولكنّني، حين أقرأ، أكون قد سلّمت ذاتي للكاتب كي يلبسها الأسى إذ يحزن، ويطير بها غبطةً إذ يفرح، ويسمو بها إذ يرتقي بمفاهيمه.. أفيؤتمن الكتّاب على أنفسنا؟ أم أنّ علينا أن نحشو خواطرنا بين دفّتين، ثمّ بعد أن نخطو العتاب، ندرك أنّ الكلمات لم تُنتَق لتداري مشاعرنا، وأنّ الحدود التي تتبنّى الأسوار المجتمعية  رسمها لم تُرسَم في هذه السّاحة بالقلم ذاته؟

على كلّ حالٍ، لن أيأسَ من تناول وجباتي من الكلمات، وإن كان ذلك قد يعني الانعطاف في الكثير من الأحيان، والتّوجه إلى مقدّماتٍ أخرى بين دفّاتٍ أدفأ..

حنان فرحات
 12-15-2013

Oct 20, 2013

يومَ خلعتُ نظارتي




اليوم خلعت نظارتي،.. وألصقت على بؤبي عدسات شفافة لا ترى بالعين..
لكنها ليست ذات مفعول عادي، بل على العكس..
بادئ الأمر أحسست بها تتحرك في عينيّ، وكأنها لا تريدني أن أرى،..فلاح غشاء سواد أمام عينيّ يحول بينهما وبين العالم حولي..
لكنني سرعان ما فركت عينيّ بأصابعي علّني أعيدها إلى مكانها ،حتى استقرّت مجهَدةً، قبل أن تَبلى من هجوم يدي..
للوهلة الأولى هالني ما رأيت!
فالصحيح أن في عينيّ ضعفاً، لكن على ما يبدو أن هذه العدسات أحدثت مفعولا عكسياً.. فرأيت كل شيئ أصغر مما يبدو في الباحة حولي..
أيعقل أنّ كلّ ما نراه هو فعليا أصغر حجما؟؟  أم ترانا نراه ونحلّله ثم نعطيه أكثر من قدره؟تجاهلت المشهد العام ومشيت باتجاه صفّي في الطابق الثاني من المبنى الثاني..
على الدرج صعوداً، أشخاص تبدو أدمغتهم داخل رؤوسهم.. لكنها صغيرة الحجم قليلاً.. وأشخاص سود الأجسام، كأنهم ظلال، .. وآخرون مثلهم، ولكن في صدورهم بذرة من ضوء..
سرت قليلاً والعجب مرتسم على محياي وصولاً إلى الممر، وهناك العجب!
الناس كلهم لونان، أبيض أو أسود، أو مزيج غير متجانس منهما..
فبجانب الحائط، بدت لي فتاة ناصعة البياض، وإلى جانبها أخرى تشبهها، مع اختلاف بسيط تمثّل ببذرة سوداء جهة القلب.. وقريباً من إحدى الصفوف، يتّكئ شاب ذو محيا أسود يذوب به بعض البياض كأنّما زيد رغماً عنه..
وكيفما نظرت، رأيت أشكالاً لا توصف، ومناظر لا تُرى..
أسرعت لأجد صفي، ودخلت..
على الطاولات كلمات وخطوط متفاوتة السّماكة.. واللوح الأبيض مزدحم بعبارات ضخمة تكاد تنفجر منه..
لحظات ودخل شخص ضخم لا يكاد يعرف لونه، إلا أن ما يميزه هو دماغه الذي يكبَر رأسه..
ولم يبدأ هذا الشخص بالكلام حتّى أحسست بضجيج لم أسمعه قبلاً..فوضعت يديّ على أذنيّ، ونظرت حولي، إلا أن أحداً لم يبدِ انفعالاً ملحوظاً..
صبرت قليلاً، .. لكن مع مرور الثواني، أصبحت أشعر بأزيز في رأسي، فانتفضت وفتحت الباب وخرجت بسرعة أركض وأركض.. وحين بدأ يخفت الصّوت وقفت قليلاً.. ثم بسرعة مددت يدي إلى عينيّ وانتزعت العدسات.. وباليد الأخرى، انتشلت نظارتي من جيبي ووضعتها أمام عينيّ..
عاد كلّ شيء طبيعياً..
2013

Oct 13, 2013

هات عنك




"عمّو" هذه السّنة لن يطرق بابنا، ولا باب الجيران.
ليس لأنّه لم يعد يحبّنا.. ولا لأنّه مشغول..  بل لأنّ بابنا لم يعد لنا، وباب الجيران لم يعد موجوداً.
ولأنّ احتمال رؤيته أصبح أقرب إلى الحلم، قرّرت أن أتشبّث به كي لا أخرج عن التّقاليد.
لكن حتّى الحلم لم يحتوِ باباً..
قلت ل"عمّو" بنبرة منخفضة: لم لا تفعل مثل "سانتا كلوز"؟ تسلّل من المدخنة وشاركنا السّهرة كما في كلّ عام..
كنت أعلم أنّ أمّي ستغضب من الفكرة، خاصّة أنّها نظّفت البيت على مدار أيّام لاستقباله، ولم تكن لترحب بتلويث السّجّاد بالرّماد.. لكنّني أصّرّيت إذ لا مدخل غير ذاك.. وأنا أخاف إن لم أُدخِل "عمّو" أن يُضيع طريقنا إلى الأبد..
"عمّو" كان بسمةً، إن ضلّ الفرح طريقه إلينا، خذلته وارتسمت على وجهنا..
وبما أنّ الطّقس باردٌ قليلاً، قرّرت أن أوقد النّار في الموقد كي لا يبرد "عمّو" ويستعجل المغادرة..
جئت بعود ثقاب وقليل من الزّيت وبدأت عبثاً أحاول... لكنّني فشلت حتّى بعد رجائي للعود أن يشحذ همّته ويولّد لنا شرارة ندفئ أوصالنا بها..
نظرت إلى "عمّو"..
كان على غير العادة فارغ الجياب من الحلوى..
نظراته باردة..
شفتاه زرقاوتان..
ربّت على كتفي بيديه المتعبتين باحتراف.. كأنّه امتهن التّربيت بدل رسم الابتسامات..
وبينما تحسّست برودة كفّيه، انتقل البرد إلى أوصالي، فانتفضت أرتجف..
فتحت عينيّ..
"عمّو" لم يأتِ!
وأمّي لن تغضب لأنّها لن تعيد تنظيف السّجّاد من الرماد.. لأنّها .. أصبحت والسّجادة والرّماد شيئاً واحداً أفتقده في زاوية الخيمة..
هنا لا نملك أمّاً، ولا باباً، ولا مدخنة موقد..
هنا لا نملك جورباً نعيره ل"عمّو" كي لا يبرد..
أتراه سيأتي إن علم بذلك؟ أو أنّه لن يعرف الطّريق إلينا؟
"عمّو العيد".. إن حقّاً أصبحت مهنتك التّربيت على الأكتاف فهات عنك.. أنا أريد أن أفعل ذلك.. ربّما بالاحتكاك أدفئ كفّيّ قليلاً..

October 13, 2013