Jun 7, 2013

رجال في الشمس- كتاب قرأته


 

أبو قيس، أسعد، ومروان: حكاية أجيال فلسطينية ثلاثة، ذات غايات مختلفة سعوا إليها عبر سبيل واحد، وانتهوا على قارعة الطريق ذاته.

 فحلم أبو قيس بامتلاك سقف إسمنتي يؤويه وعائلته، وبعض النقود التي تضمن لقمة العيش ومقعد الدراسة لأولاده، رماه على الطريق إلى الكويت ليلقى حتفه عليه. وعلى الطريق ذاته، رمى الطموح بالحياة الكريمة أسعد. كما رمت الرغبة بالتغلب على المأساة المعيشية مروان، الشاب اليافع، الذي تخلى والده وأخوه عن إعالة العائلة، وتركوه ليواجه كبد الحياة.

الثلاثة وضعهم الكاتب ف يمواجهة المهربين المتسلطين ، والدليل الغادر، الذي قد ينقض الاتفاق قبل "الاتشفور"، ويطلب منهم الدوران حوله سيراً على الأقدام، الأمر الذي يستلزم قرابة أربع ساعات من السير تحت لهيب الشمس.


وكي لا يصبحوا كمن قبلهم جثثاً ملقاةً في الصحراء، قَبِل الثلاثة بعرض أبي الخيزران، مع أن حديثهم الأول معه كان مطعّماً بالكذب والخداع. فابو الخيزران، سيأخذهم بسعر أقل، يدفعونه بعد الوصول كضمان لهم، ولو أنهم سيجلسون قي خزان مياه الشاحنة الأقرب إلى الجحيم.

 
جاء الموعد المنتظر، وبدأ الدور بأسعد ليجلس الى جانب السائق، بينما صعد الآخران إلى ظهر السيارة. وإذ يحدث أسعدُ أبا الخيزران، سأله إن كان متزوجاً من قبل. لكن هذا السؤال أخذه في دوامة عشر سنين إلى الوراء، حين سلب رجولته في سبيل الوطن، فغير الموضوع وبدأ بوصف كيد الأدلة في عمليات التهريب، وسرد له قصصاً عن نهايات الكثيرين في الصحراء.


وأصبحوا على مقربة من المحطة الاولى، فنزلوا في الخزان بعد ترددٍ، ووعدٍ من ابي الخيزران أن الأمر لن يستغرق أكثر من سبع دقائق. ثم تركهم يتقلبون فيه كالشواء، ويتنفسون بطريقة أقرب الى الاختناق. وأوفى السائق بوعده، إذ أتم الأوراق بسرعة ثم سار خمسين متراً بسرعة مجنونة، ليتوقف ويخرجهم من سقر، حيث أصبحوا أقرب إلى خرافِ مسلوقةِ ارتمت من غير حيل ولا قوة، رغم زعم أبي الخيزران ان العملية لم تأخذ أكثر من ست دقائق.

ثم أكملوا طريقهم في القيظ دون أي كلمة، غارقاً كل منهم بأفكاره وتصوراته لما بعد الوصول. مرت الدقائق ثقالاً، أحسوا فيها أنفسهم قطراتٍ من زيت تشوى بلهيب الشمس، إلى أن اقتربوا من المحطة الاخرى، فنزلوا مجبرين مجدداً، متوسلين إلى أبي الخيزران بالإسراع.

إنما هذه المرة أحب الموظفون المزاح مع أبي الخيزران، فبادلوه أطراف الحديث، واستهزؤوا به ربع ساعة من الزمن قبل أن يوقعوا له الأوراق ويخلوا سبيله.. فطار مجنوناً بسرعة ليلحق بالمساكين العالقين في الخزان، ثم بعد أن ابتعد قليلاً أوقف الشاحنة وفتح الفوهة، إلا أن أحداً لم يجبه.. مد يده فتحسس أجساداً ثلالثة باردة في الفرن، فعلم أن الثلاثة قضوا سوية.

أحس السائق بالحزن العميق، وبالعجز في الوقت ذات، فقرر دفنهم حالما يصل واحداً واحداً إكراماً لهم. وعندما وصل، وجد أن دفنهم سيتطلب ساعات، فقرر تركهم قرب جبل من النفايات ليجدهم عامل النظافة ويسلمهم للحكومة فتدفنهم بطريقة شرعية.. تركهم هناك وغادر تحت جنح الليل بعد أن أخذ مالهم.. إنما اختلط في باله صراخه، وسؤاله: لمَ لم يطرقوا حيطان الخزان؟ّ