إنه الطاعون على الأبواب.
أغلِقت أبواب المدينة الوادعة على ساكنيها فأصبحت سجناُ كبيراً ، فيما صارت البيوت سجوناً صغيرة. أما الأضيق، فأسرّة المشافي، ومجاري الأنفاس. وأما الأطول والأصعب فالمشوار إلى الموت.
زادت المدينة قبحاً، وذبل الربيع على طرقاتها، وصارت الفلسفات الملاذ الوحيد لفهم ما يحصل.
ربما ليست قبيحة، تلك المدينة المتكئة على كتف الشاطئ. لكن ألبير كامو كان يراها كذلك.
شخصياته الأرقة، القلقة، كانت تسير حيناً، وتضرب حيناً آخر، وتذهل أحياناً أخرى.
كيف لمرضٍ بائسٍ أن يزحف كلحافٍ سميك فيرفع حرارة الناس ويضيق عليهم في أحرّ أيامهم.
كيف للقدر أن يحوّلهم في لحظة إلى متأمّلين فيما كان من قبلُ من أحوال الحب واللقاء والفراق؟ كيف له أن يجعل التفكير مهنة، والفرح عملاً، والحزن عادة؟
ينسلّ الطاعون بهدوء إلى وهران الجزائرية، يكتب ألبير ما يرى بالتفصيل حتى لتشمّ رائحة الورد والكحول وتشارك في المآتم وتحضن الأحباء بعد اللقيا، في كلماته الكثير من المشاعر الجياشة، لربما يعود ذلك للغة الأصلية التي كتبت فيها الرواية، لكن سهيل إدريس أبدع في ترجمتها فلا تعرف أن لها أصلاً غير العربية.
قد يملّ البعض عند قراءتها، وقد يستصعب البعض مفرداتها. لكنني أحببتها بقدر ما آلمتني.
* يفسر البعض الطاعون سياسياً فيعتبرون أن ألبير إنما وصف دخول النازيين إلى فرنسا بالطاعون، وآخرون اعتبروا أن الطاعون مجرّد وصف شامل لكل شر قد يحل على البشر.
*ولد ألبير كامو لأم اسبانية مصابة بصمم جزئي وأب فرنسي توفي في صغره، له أخ أكبر، تزوج مرتين ثم لم يؤمن بالشراكة الزوجية، له توأم من زوجته الثانية، توفي في حادث سير وهو بعمر ال46 بعد سنتين من نيله جائزة نوبل، وجد في محفظته مخطوط غير مكتمل عن سيرت الذاتية
* كتب ألبير كامو الناشئ في بيئة فقيرة في الجزائر روايته الطاعون إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، تفوق في دراسته واستحصل على منحة لإكمال تعليمه في الجزائر حيث درس الفلسفة
*لم أحب في الكتاب بعض النفحات في الترنح بين الإلحاد والإيمان ولكنني أتفهم وجودها
حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠