Feb 25, 2010

الثقافة العربية في عصر يتسم بالعولمة




الثقافة العربية في عصر يتسم بالعولمة


2/25/2010


مقالة حول العولمة في القرن العشرين، ونشأتها ضمن ظروف معينة، مؤدية إلى تغييرات جذرية في الواقع العربي.




 

الكوننة، العصرنة، السلعنة، القرية الكونية، الأمركة، الأخطبوط الاستعماري، النظام العالمي الجديد، الكوكبية، الكلّوية(نسبة الى الكل)،... ألفاظ متعددة ، وبحر من الشروحات والتفاسير، إلا أنه ما من أحد استطاع الجزم بالصحة المطلقة لمفهوم للعولمة. كثر هم من دخلوا دائرة البحث، وأكثرُ هم من قلبوا صفحات المعاجم، والكتب الفلسفية والمنطقية والفكرية،علّهم يجدون مفهوماً يختصر المعاني، ويعج بالدلالات. لكنّ من خرجوا من تلك الزوبعة، عادوا بِرؤىً شخصية وصياغات تشير إلى مفاهيمهم الذاتية غير الشاملة.

قالوا: هي السعي إلى توحيد العالم تحت الراية الأقوى(الأمريكية)، وقالوا: هي صيرورة العالم وحدةً لا تتجزأ. قالوا: هي الانفتاح على العالم، وتدفق الثقافات فيه، وقالوا: هي اجتياح القوي للضعيف. قالوا: هي حيث يتحول مفهوم القوة ليصبح مرادفاً للمعرفة، فيصبح الأقوى هو الأعرف والمسيطر، وقالوا: هي التبعية للأقوى، وبالتالي إضاعة الهوية...
مهما قالوا، ومهما قيل، تُبقي العولمة بابها مفتوحا على مصرعيه، ومن خلفه شاشة من الغموض والإبهام. وفي المدى البعيد، مرآةٌ هي الطريق إلى الحاضر. والصورة المشوشة، تقودنا للإستفهام:
ما هي العولمة:أسبابها وأهدافها؟ نتائجها،( سياسيا، اقتصاديا،إعلاميا،ثقافيا،ماليا...)؟ أنواعها ومظاهرها،؟عوائقها،؟ وسبل مكافحتها؟

من المؤكد أن الكثير من العوامل تكافلت في سبيل الخروج بإنتاج ضخم مثل العولمة، الذي أضحى نمط حياة عند أغلب الشعوب عموماً، وعندنا نحن العرب خصوصاً. وكان من أهم أسباب العولمة، تحرير التجارة الدولية بإزالة الفروقات الجغرافية، وتحويل العالم سوقاً واحداً مفتوحاً يسود فيه مبدأ التنافس الحر. ولعب التطور التكنولوجي والتقني دوراً مهماً في تقريب المسافات، وإذابة الفروقات، وتوحيد المصالح. فأصبحت الشبكة العنكبوتية طريقاً سريعاً إلى أي بلدان العالم، لإنجاز الصفقات، وتحديد المواعيد، وتحقيق الأرباح.
 وقدمت العولمة الحرية، والديمقراطية، والرفاهية، أدوات لفك قيود الإنسان وتزويده بالتشوق لحياة أفضل. وساعدت على  إستقراره المهني والسياسي، فضمنت له تكافؤ الفرص، وحفظت له حقوقه في الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية. وبالتالي فإن هذه التقديمات، هي العوامل التي ساعدت على انتشار العولمة بسرعة، بالإضافة إلى طبيعة المجتمع العربي غير المنتج. فالوطن العربي يعتبر السوق الإستهلاكي الأهم بعد شرق آسيا، وهو محكوم بالتبعية لبلدان العالم لتحقيق اكتفائه الذاتي. ومتى رفض التبعية، يكون قد حكم على نفسه بالموت.
وتتجلى الأهداف الظاهرية للعولمة بتحويل العالم إلى قرية ، لا تفصل بين أجزائها الحواجز الجغرفية، بل تجمعها القيم الإنسانية الواحدة التي تتخذ هدفها الأسمى مصلحة الإنسان. أما الأهداف الحقيقية، فهي دينية و ثقافية وإقتصادية وسياسية.

دينياً، تهدف العولمة إلى انفتاح الأديان السماوية الثلاث على بعضها وتوحيدها، وذلك من خلال الترويج لثقافة قيمية واحدة.أما إقتصادياً، فتهدف إلى وضع العالم ضمن سوق واحد يحكمه نظام إقتصادي واحد بتوجيه من القوى الرأسمالية الكبرى. ومن خلال هذه العملية، تستغل كل طاقات وموارد وخيرات الدول (العربية خاصة) إقتصاديا (أبسط مثل هو البترول)، فتزيدنا تبعية. والأهم من ذلك، العولمة الثقافية، التي هدفها الأساسي إزالة خصوصية الشعوب التي تحافظ على مبادئها وقيمها المنبثقة عن إطار ديني. فتعمل على إذابة الفروقات التي تعني الأصالة والحضارة بكل أبعادها الروحية والقيمية لتعزيز نزعتها المادية المصلحية والهيمنة بثقافتها على كافة الشعوب.
إذن، فالهدف النهائي للعولمة هو إعتلاء الغرب على عرش العالم (خصوصاً اليهود)، وتحولهم أسياداً مطلقين بلا منازع. ولتحقيق أهدافها، أخذت العولمة أشكالا عدة، بمساعدة وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء(التلفاز، الجرائد، الراديو،...) والهاتف، والفاكس، والإنترنت، ووسائل التثقيف(المعاهد-الجامعات-دور النشر-مراكز الأبحاث-...).
الثوب الأول الذي ارتدته العولمة كان إعلامياً. حيث نقلت وسائل الإعلام الثقافة الغربية، وزينتها بصفة التقدم والتطور، وحثت على التقليد. وكإثباتٍ على مدى فعالية وسائل الإعلام(المحطات التلفيزيونية، الإذاعات-الراديو، الإنترنت، المجلات، الجرائد...) في التأثير بالشعوب، يمكننا الإستشهاد بدورها الفعّال إيجابا وسلباً .ففي الحروب، تنقل وسائل الإعلام بشاعة المجازر، والحقائق التي تحدث في كافة المناطق، والواقع الذي يعايشه المهجرون، فتحث على مشاركة المواطنين منازلهم مع المهجرين، وتقديم المساعدات لهم، ما يزيد من التكافل الإجتماعي والإحساس بالإنتماء إلى الوطن. وتعزز لدى الفرد حسّ المسؤولية والنظام، فيشعر حين يُذكر الوطن، أنه جزء من شعبه. وعلى الصعيد السلبي، يمكن للوسائل ذاتها(وسائل الإعلام) أن تنشر الفتن بين أبناء الشعب الواحد، وتروج لأفكارالأقوى وتخدم مصالحه، متناسية المصلحة الوطنية. فعلى سبيل المثال، أعدت لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة تقريرا في 12-آذار- 2004 ناقشت فيه محورين خاصين باشتراك الرجال والصبية في تفعيل مساواة النوع، واستخدام اتفاقيات السلام في تفعيل مساواة النوع. وقد لوحظ أن الترجمة العربية لهذا التقرير غضت النظر عن الإعتراف الرسمي ب(الشذوذ وحماية حقوق الشواذ). فقد تبين أن هذا التقرير اشتمل على الإعتراف المذكور بالإضافة لتشجيع الشباب على ممارسة الزنا والجهر به باعتبار ذلك تعبيرا عن المشاعر وحسب!! فهل هذا هو الرقي، أم  هي ضريبة  التقدم والتطور؟؟
الرداء الثاني كان باللون السياسي. وزُخرِف هذا الرداء بقيم الديمقراطية، ونظام الحكم العادل. ولاح يتمايل ملوّحا بحرية التعبير وما تتطلبه من تتعددية سياسية، ومجالس تشريعية، ودساتير، ورأي عام... وإن كانت هذه المفردات قد برزت عندنا من عهد الإستعمار، فإن العولمة قد عززتها ونشرتها بشكل ملحوظ، لكنها بقيت في إطار النظريات غير القابلة للتطبيق السليم، والشعارات الفارغة غير المرتبطة بالسلوكيات. فالديمقراطية مثلا قيمة نادت بها العولمة، ولا زالت تنادي بها حتى الآن، وهي مطبقة في الغرب بشكل حضاري. فلمَ لا نراها مطبقة في بلادنا بالطريقة نفسها؟  لطالما دعت أميركا إلى المساواة، وإلى احترام حقوق المرأة وحقوق الطفل، فأين هي هذه الحقوق في فلسطين وأفغانستان وسائر الدول الفقيرة المتخلفة التي تعاني من الجوع والإهمال؟
أما اللباس الثالث، جاء قريباً من سابقه(إقتصادي). فرصّعته القيم الإقتصادية التي تخدم في أبعادها الغرب وحده. وتشمل هذه القيم الحرية الإقتصادية، وفتح الأسواق، وعدم تدخل الحكومات في النشاط القتصادي، وربط اقتصاد الدولة باقتصاد العالم الذي انقسم بين عالم قوي منتج، وآخر ضعيف مستهلك. ويتسم هذا العالم القوي بالقدرة على تأمين إكتفائه الذاتي وإكتفاء عدد كبير من الدول الأخرى من المواد الأولية، والمنتجات الغذائية، والصناعات الثقيلة، و في الوقت ذاته، متابعة تطورها وتقدمها من خلال استقطاب الأدمغة من جميع أنحاء العالم وتوفير كل ما تحتاجه مقابل الدراسات والأبحاث، على عكس الدول الضعيفة. فهذه الدول ذات الطابع الإستهلاكي، غير قادرة على تأمين إكتفائها الذاتي ومضطرة إلى الإستعانة بالخارج للقدرة على الصمود. إلا أن هذه الحاجة تطورت مع الزمن لتصبح قسرية دائمة، تصحبها ديون متراكمة تمكّن الدول المنتجة من حكمها والإستيلاء الكامل على مواردها الطبيعي التي يُعرف غنى الدول النامية بها.الشركات متعددة الجنسية نوع آخر من العولمة الإقتصادية، فشركة "نستلة" مثلا شركة أميريكية معروفة، لها فروع في لبنان والهند ومصر وإيران وغيرها من البلدان، ولمنتجاتها شعبية كبيرة في الأوساط العربية، إلا أن العائدات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تعود للولايات المتحدة الأمريكية. زيادة على ذلك، رُصدت حركة بارزة لرؤوس أموال ضخمة، وهذا ليس بالأمر العادي، بل يحمل مخاطر عديدة وهزات مدمرة. وتجلت مع هذه الحركة فوائد ومزايا عدة، قد تتحقق إذا ما استُغلت بالشكل الصحيح، فتنفع الدول عامة والدول النامية خاصة. ونستطيع هنا أن نؤكد على أن النمو في الدول النامية أصبح أمراً ضرورياً لتقليص الفارق بين دول العالم، وبالتّالي توحيده وكوننته.
والسِتارُ الأخيرُ الذي تَخَفَّت العولمة تحت أطرافه هو ذو ملامحٍ فكريةٍ، ثقافيةٍ، واجتماعيةٍ. وبطريقةٍ ما، تمَّ تعميم النظرة الغربية إلى الكون والمجتمع والإنسان، وأخذ الفكر الغربيُّ بالتَّسلّلِ إلينا عبر ما يسمّي بالحداثة، والفضائيات، والشبكة العنكبوتية،... وصولا إلى الفضاء الخارجي، حيث غُرست الأقمار الإصطناعية حول الكرة الأرضية من كل الجهات. وغدا العالم بأسره –على الأقل- تحت أنظار الغرب. وخير دليل على انتشار المفاهيم الغربية في الأوساط العربية بروز مصطلحات الإختلاط والجندر كأنواع من المساواة التي تمنح المرأة القوة لتوصيف الأنشطة المتعلقة بإزالة الإختلافات الإجتماعية والثقافية والوظيفية كافة بين الرجل والمرأة، بغض لنظر عن تقسيمها البيولوجي.
 نحن بدأنا باستيراد الآلات(سيارات، أجهزة منزلية، تجهيزات المصانع...) والأسلحة الثقيلة من خارج الوطن العربي. ثم توسعنا فيما بعد ليشمل الإستيراد طعامنا ولباسنا وأثاثنا. زيادة على ذلك، رحنا نقتبس من عاداتهم وقيمهم الإجتماعية والخلقية ومناهجنا المدرسية. ولم يتبق لنا لنحكم الوثاق على أنفسنا سوى أن نلتمس العقائد الغربية، فنعبر بذلك إلى الضفة التي يُفترض بها أن تكون واحة الأمان والإستقرار والإزدهار، فإذا بالواقع يخون أعيننا، معلناً بداية عصر التبعية والعبودية المطلقة.  
وكما يوجد لكل الأنظمة والقوانين نواحٍ سلبية وأخرى إيجابية ، فإن للعولمة (النظام العالمي الجديد المنتظر) إيجابيات وسلبيات أيضاً. فالعولمة تحقق استقرار الحياة الإنسانية وازدهارها، وتعمل على ربط كافة المجالات ببعضها من خلال تشجيع التعاون فيما بينها. وعلى الصعيد الديني العقائدي، تسعى العولمة إلى إيجاد نوع من الحوار المتبادل بين الأديان والثقافات لتوطيد علاقات الأفراد والشعوب ببعضهم. فتلغي بكل هذا المسافات، وتوحد مقاييس المنتجات على الصعيد العالمي، وتخلق جوّاً من الإنسجام والتكامل بين أقطار العالم، فاتحة المجال أمام الجيل الصاعد ليختار ما يتناسب مع مواهبه وقدراته تحت ظل المساواة والديمقراطية.
وفي الجهة الأخرى، ومع كل ما تحمله العولمة من معانٍ سامية وقواعد بنّاءة، يبقى الرجاء أن تدخل هذه الأسسُ الحياةَ العملية. فكل ما يذكر عن الحرية والديمقراطية والرأي الآخر يبقى حكراً على دولٍ دون أخرى. وتزيد العولمة ضعف الدول النامية من خلال المساهمة في نشر الشركات المتعددة الجنسيات التي تحتل منتوجاتها مرتبة مكينة في المبيعات. وهذه المنتوجات تضعف الإنتاج في الدول النامية لعدم قدرتها على المنافسة الإقتصادية. وضعف الإنتاج يؤدي إلى قلة عرض العمل، وبالتالي تفشي البطالة التي تدفع الأدمغة إلى الهجرة. فتُفقد الهوية، وتطمس الشخصية، وتذوب مقومات المجتمع الأصلية(مبادئ وقيم ودين) مضعفة الترابط الأسري ومفككة البناء المجتمعي، ناشرة  بذلك حروباً أهلية.
وتقف عقبات عدة في وجه استدراك ما آلت إليه العولمة، تنبع من الصميم الرجعي العربي، وتحتاج خططاً مدروسة لإزالتها ومواكبة تطورات العصر. فبداية، نحن نحتاج أن نتخلى قليلاً عن عصبيتنا في الإنتماء السياسي أو الطائفي أو المناطقي أو العرقي أو الديني. كما نحتاج أن ننفتح بوعي على المتغيرات والتطورات العالمية دون أن نغفل تلك المتعلقة بالنظام الحاسوبي الذي يعتبر لغة العصر. ويتوجب علينا وضع سياسات ومفاهيم ثابتة يقوم عليها مجتمعنا مقابل تلك النظريات البعيدة عن التطبيق. سبيل آخر لإزالة إحدى العقبات هو الإهتمام بالأدمغة وتخصيص قسم من الميزانيات العامة للإهتمام بالعلم والتربية.
ولا يجب الَّلبس بين مفردتي العولمة والعالمية،فالفرق شاسعٌ  بينهما. فالعالمية تعني انفتاح العالم بما فيه من ثقافات على بعضه مع الإبقاء على الإختلاف الثقافي الجوهري، على عكس العولمة التي تعني الهيمنة على العالم والإنكار لوجود الآخر وحقوقه، وبالتالي قمع الخصوصية.هي تجسيد للرغبة في فصل الأفراد(خصوصا العرب) عن أوطانهم وأديانهم وثقافاتهم ودولهم، وإغراقهم في مستنقعات الحروب الأهلية، تستوجب الدفاع عن هويتنا الثقافية الفردية، الجمعوية، والوطنية ، والتشديد على المصالح القومية ذات المرجعية الشاملة( الوطن، الأمة، الدولة)  هي الخطوات الأنسب التي قد تُتَّخذ في الطريق لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة.
أخيراً وليس آخراً،إنّ العولمة مفهوم غني بالمخاطر والأنا، مهدّد لوجود الشعوب واستمرارية الثقافات إذا كان يقوم على مبدأ هيمنة الأقوى-الأعرف (أميركا) وإلغاء خصوصية الآخر الضعيف، ومن ثَمَّ دمجه في الكون الجديد. ولكننا لا نستطيع الجزم بسلبية العولمة وضرورة إيقافها. بل إن العولمة تحمل الكثير من  القيم السامية والمقومات التي يحتاجها العالم بأسره للنهوض ومواكبة التطور إن
أخذت النحى العالمي لتُطبق تحت مبدأ المساواة الشامل دون استثناء بعض الدول كما حصل في العراق وأفغانستان. فالديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والمرأة والطفل هي قيم، إذا أحسنّا استغلالها، قدمتنا أشواطاً كثيرة في مشوارنا نحو التقدم والرّقِيّ الحضاري الإنساني.