May 21, 2017

سِقاية

فتحت أوراقي اليوم لتستقبل أشعة الشمس، ونهلت من هواء الصباح فيما أشدّ أذرعي لتطول بمقدار لن يكتشفه أحد اليوم تحديداً، لكنه سيزيد من رصيدي لدى صاحبة المنزل مع الوقت. تربتي جافّة قليلاً، أبسط جذوري نزولاً لعلّها تصل إلى قطرة ماء أو اثنتين حين تطل "جورية" من باب المنزل بعينين نصف مغلقتين.. أو لأكن إيجابية، نصف مفتوحتين.

تتوجه إلى صنبور يقف على الحائط يساراً منذ جئت إلى هذه الحديقة، وتشدّه بيدٍ تفتحه فيما ترفع يدها الأخرى لتغطي تثاؤبها.

أضحك في سرّي وأنا أسمع أختي المغروسة بجانبي تدعو الله أن تبدأ "جورية" بالسقاية من الحوض الذي نصطف فيه بدلاً من الحوض المقابل، لكن أنبوب الماء توجه إلى حيث ابنة عمي في الجهة المقابلة قبل أن يصل الدعاء إلى السماء.

في كل صباح،  أو لنقل في الصباحات الجميلة، تخرج جورية لسقايتنا. لكن يوم تخرج بنتها، لوز، يكون فعلاً يومَ السعد! كأن هذه الفتاة تدرك أنني أحتاج للمياه على أوراقي وأغصاني بمقدار ما تحتاجها جذوري! حين تقف قبالتي، ترى في أشواكي كما في زهراتي عطشاً للاغتسال قبل أن ترتفع الشمس فنستتبع جلسة "كَسْبِ اللون"، وتنصرفَ هي إلى أشغالها.

حين وصل أنبوب المياه إليّ، فُتح شباك غرفة لوز. أعرف أنها غرفتها لأنها كانت تطل منه صباحاً لتتفقد إن كانت حافلة المدرسة قد وصلت أو بعد. لحظات وأخرجت رأسها منه ثم نادت أمها لتتناول الفول مع باقي العائلة. ظننت أن الأنبوب سيستلقي عند جذعي ويرويني حتى ينتهي الفطور، لكن لوز توجهت نحو الصنبور وأغلقته.. يبدو أنها ظنت تأخّرها في تناول طعامها فأجّلت حصتي للغد.. :(

حنان فرحات

May 14, 2017

لكن الأماكن كلها ماء

كنت أظن أنني لا أستطيع التفلّت من الأماكن بسهولة. كنت أرى قبضتي مغلقة على كل شيء. 

ولكن كل شيء كان ماءً. 

في البداية كنت أفتح كفّي لصنبور المياه فتتدفق مالئة إياه بشعور الاكتفاء.

ثم شح ماء الصنبور، فوضعت يدي الأخرى بجانب الأولى علّها تحفظ ما يكاد ينفذ. لكن فصل الحرّ حان.

والماء، مهما حاولت، ماء. 

قلتُ أقبض عليه فلا يسيل. لكنه مر من بين أصابعي، لا كالأسير.

قلت أفتح يداي للصنبور من جديد. لكن ماءه لم يعد.

صرتُ أنظر إلى كفّاي وأذرف الدمع. أتذكر ما كان فيه من صفحةٍ تتلألأ عليها صورة السماء كأنها تسير، كلما هوَت قطرة جديدة من عين الصنبور.

أتذكر كم كان سخياً، ووافر الماء.

لكن الدفء جفف يداي اللتان بقيتا تنتظران الماء. 

صارت تنظر مقلتاي إلى الصنبور والكفّين وتتنهد.

وبينما امتدّ الانتظار مع النهار، نكزني أحدهم مشيراً إلى يميني.. 

كان هناك صنبور آخر، وافر الماء، سخي العطاء، كفيل الاكتفاء.

كنت أظنني أستطيع الحفاظ على الماء، لكن الماء كان كله أماكن..!