Mar 2, 2022

الزائر الثقيل

ستستيقظ يوماً فتجد مسخاً في المرآة. صورة لك، لم تعهدها من قبل. ظلّ يتثاقل على النهوض من السرير بعد إذ اعتدت على النشاط. يرى في كل شيء رماداً بدل طيف الألوان الذي تألفه، ويكاد يقسم ألا شيء في العالم يُدعى البهجة.
يتكاسل المسخ عن القيام بأي شيء ذي نفع. لا تهمه القيم العليا التي كنت تنظر إليها، ولا يلقي بالاً لأسبابك المهروسة تحت مطحنة العادة. لا يرى جدوى من بذل الجهد، بل مضيعةً مضاعفةً للوقت في كل أمر كنت تسعى إليه.
يضع عينه في عين نفسك إذ ترقبه في المرآة. يحدثك بكل وقاحة أنه سيستلم مقاليد الحكم، وسيبدل أيامك إلى ملعب يمارس فيه حيَله الماكرة. سيُقصيك عن كل ما تحب، كنت تقرأ كتاباً؟ حذار أن تقترب منه. كنت تحب طبقاً ما؟ لن تستمتع به بعد اليوم. كانت تهفو نفسك للنجاح؟ فاليأتِ دون جهد أو فليذهب إلى الجحيم. 
يقتات المسخ على حزنك وكربك، وعلى تسليمك وانصياعك، ويزداد كبراً كلما طاوعته وانجرفت إلى ألاعيبه. لكنه كلما وضع عينه في عينك، سرت في بؤبؤيه رجفة وفي قلبه وهن. يسأل نفسه؛ هل حان وقت العودة؟ ومتى أطلت النظر إليه، ضعفت شوكته واهتز عرشه. هو جزء منك، يعيش على عافيتك، ويندحر بصبرك ومجابهتك. يزورك بين الفينة والأخرى، كزكامٍ ثقيل، يصدع رأسك ويشوش عقلك ويتعب أنفاسك، ثم بعد أن يزول البأس، تعود كما كنت، بطلاً في عين نفسك، ورعباً في قلب مسخك.
أهمّ ما في الأمر أن تعي أنه زائر مؤقت، وأنك أنت - أصلُ الحكاية- الصورة الأولى والأساس.

#حنان_فرحات ¦ بيروت ٢٠٢٢