Mar 23, 2020

صلاة تشرنوبل


عام ٨٦؛ انفجر مفاعل نووي في منطقة تشرنوبل، وذلك في الاتحاد السوفيتي سابقاً. لم أكن قد ولدت بعد. ولا شك أن آثاره باقية حتى اليوم.
سمعت عن الانفجار بالصدفة، حيث أن أحدهم اقترح علي كتاب #صلاة_تشرنوبل، وقبل أن أبدا بالقراءة بحثت قليلاً عن الموضوع، فذهلت.

تكتمت السلطات على الانفجار. أخذت القيادات الاحتياطات فيما تركت الشعب بالعراء مع الاشعاع وجهاً لوجه. لاحقاً تم إخلاء بعض المناطق. أرسل عمال لطمر المنطقة بأسرها دون وقاية أو حماية. أرسلوا مقابل راتب أعلى، وشهادات تفوق وميداليات بطولة. في بعض الأحيان، لم يعط المسؤولون الكمامات للعاملين كي لايخافوا من التدابير فيستنتجوا خطورة الوضع ويتراجعوا عن العمل.
ظل العالم يترنح بين الشائعات فترة قبل أن تبان الحقيقة.

***

لا يجب علينا أن نقيّم مجزرة بهذا الحجم. عتبي على متوالية المونولوجات. إلا انني أفهم جيداً أن كل صوت تعرض لهذا الظلم يستحق أن يسمع.

بين لحظة وأخرى تمنع من لمس الأزهار، الجلوس على العشب، حضن قريب أو صديق أو زوج. يصبح أهالي تشرنوبل علكة في فم المتفلسفين وحالات هجينة بين يدي العلماء. يصبح عليك أخذ تدابير صارمة، تشرب اليود، أو يحترق داخلك بفعل الإشعاع.
كل ذلك، والسماء صافية. الأمطار وحدها تكشف الألوان المخبئة بالأفق.
ماذا حصل.
ينكر الكثيرون ذلك الانفجار. كل شيء على ما يرام. لكن الواقع أن المفاعل النووي لم يكن على ما يرام، ولا حتى الكرة الأرضية بأسرها.

تأتي قراءتي لهذا الكتاب ضمن موجة فيروس Covid-19 الأولى. أفكر؛ هل سيكتبنا أحد؟ هل سنحتاج أفلاماً تجسد واقعنا؟ هل سينسى أحد أننا محجورون منزلياً، نفكر في كل شيء قبل أن نلمسه؟ نعقم كل شيء بعد أن نشتريه؟ نقلق ضعفين على البعيدين؟ هل سينسى أحد خساراته؟ وهل سيطغى الإنسان بعد تجلي ضعفه أمام فيروس مايكروسكوبي؟

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠

Mar 9, 2020

"عدوّ خارجي"



في الحرب لا مكان للحياد، بإمكانك أن تكون إما القاتل وإما القتيل. أما مفهوم الشهادة فيُوزعه المُعَزّون. يقسمون الوفيات على مساقات الثواب والعقاب، وإن احتاروا فأنت "لك ما لك وعليك ما عليك"، وما عليهم إلى أين أنت ذاهبٌ أو ماذا فاعلٌ ربك بك. 

حملتُ أمتعتي وقفَلتُ عائداً إلى بلدي الأمّ. قررت أن أنتظم في صفوف الجيش وأؤدي خدمتي العسكرية بعد أن أمضيتُ حياتي هارباً منها، "متخلّفاً عنها". كان الوطن يُخيّل إليّ في المنام كل ليلة، كما لو أنّه نهاية درب طويل. وكنتُ أعيش في نصف غربةٍ حيث أحمل جنسيتين، لكنّ الفيء في البلد الثاني لم يحوّله وطناً. بقيت الغربة معشّشة في قلبي، والشوق يعبث في فؤادي إلى أن جاء الخبر بغتة متنكّراً بثوب الفرج. إعفاء للمتخلفين عن الخدمة العسكرية من عقوباتهم في حال قرروا الانتظام قبيل انتهاء المدة المذكورة. وهكذا كان. بعد سنواتٍ من الكرّ والفرّ، عدت إلى أحضان وطني، وانتظمتُ كمراهقٍ قرر أخيراً الانصياع لتوجيهات زوج أمه. 

عشرون يوماً وانتهى الصراع. طائرة "العدو الخارجي" التي كنتُ أدعو لها في الغربة أكملت مهمّتها حين وصلتُ، فأفرغت ثقلها علينا بحكم كوننا موقعاً عسكرياً. جفّت مشاعري ودعاءاتي، وصرتُ رماداً أحرقته الحرب بعد أن أحرقه الشوق. لم أعد أرى في المنام الوطن، فقد صرتُ منه، ولم أعد أهاب المستقبل، فقد صرتُ فيه. وأمّا مقعدي من النار أو الجنة فقد تهافت عليه المنظّرون، ولكنّ ربي لا ينتظر رأيهم. 


حنان فرحات | 2020
*المقال لا يعبّر عن رأيي الشخصي بل يمثل وجهة نظر كانت غائبة عن المشهد

Mar 3, 2020

مثل الواقع


إنهم يصورون حيواتهم في الأفلام، لكننا دائماً نحصر ما نشاهد ب"صندوق الدنيا". حين رأيت حقل الذرة ذاك، استلزم الأمر معركة حتى آخذ هذه الصورة حيث يحفّها طريق سريع لا رصيف له. كانت الإثبات المميز حتى إذا خانتني ذاكرتني لاحقاً أستشهد بها.
بيوتهم كما في الأفلام، شوارعهم، إشارات المرور، بيوت الفلاحين، حتى أشكالهم. بقيتُ مشدوهة لمدة من الزمن؛ هذا يعني أننا نستطيع بكل راحة ضمير أن نقول : أفلامهم كالواقع، حتى لو اختلف عن واقعنا.

حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠
الصورة من صيف ٢٠١٩

زهر اللوز

" يمكنك أن تقول إنني معلّقة، لكن بعض الأشياء جميلة بالحيرة التي يولّدها انعدام توازنها، كزهر اللوز مثلاً، لا لونُهُ واحد، ولا وجوده دائم، ولا موقعه في الهواء ثابت..
ولو جئت تبرر ثبوته بثبوت أصله، فللنسيم الذي يحمل ريحه أن يشد من عزم قبضته قليلاً فيقتلعه.. لكنّ ذلك يختصر لاحقاً بكلمة أو اثنتين:
 بَرَدَ الزهر!
 وهل أقسى من البرد على الرّقّة؟ وهل أكثر حزناً من الصفعة التي تتلقاها الوريقات من حامل مِسكِها؟ لكنّ ما يهوّن الأمر مآل الزهر المحتّم، فهو إما إلى ثمرة فَيَدٍ ثم فمٍ إلى معدة، أو إلى برد فيهوي كالفؤاد المكلوم. وفي كلتا الحالتين،.. أظن أن عليك أن تنسى كل ما أسرفتُ في وصفه، ماذا كنا نقول؟ أنني كزهر اللوز، معلقة، وبعض الأشياء جميلة بالحيرة التي يولدها انعدام توازنها."

حنان فرحات | ٢.١٨