Dec 31, 2019

أسئلة من دون إجابات

لقد كنت على يقين أن ذلك سيحصل، ولكن ليس بتلك السرعة. لطالما تخيلتُ في صِغري أن جدتي ماتت، وصرتُ أنعي بدموعي أيامها الجميلة البديعة وحِكَمها الرصينة.

غُرّبت جدتي في عز صباها لخاطِر عريس أحبّها فخطبها ثم سرعان ما زُفّت إليه. وعاشت طوال السنين وقصارها، أيام الجوع والشبع، ولادة أبناء كُثُر وموتهم.. لم تدرِ أنها ستؤرق بالي على الدوام بزواجها ذاك. كنتُ أشعر بغصة كلما تذكرت أنها لم تستطع رؤية عائلتها كلما أرادت، ولربما فعَلتْ، لكن السيناريوهات في رأسي كانت تذهب للأسوء كي تستجلب البكاء.

كان لدي أسئلة كثيرة عن البداية، الماضي، البيت الأول، اللمّات الحلوة، والقلوب الطيبة. لكن النهاية كانت أسرع، جاء الخبر ساخناً عبر الهاتف، كنتُ على يقين أنّ ذلك سيحصل، ولكن ليس بتلك السرعة.

#حنان_فرحات
#تمرين_كتابي ٣
٢٠٢٠

Dec 25, 2019

أين؟

-أين تذهب الأفكار؟
-تقصد أين تذهب بنا؟
-أقصد أين تغيب بعد أن تضرم فينا النيران حتى ننسى الأسباب الأولى؟
-ربما تتبخر...
-ولكنها تصبح جزءًا من ماهيتنا...
-ربما..
- يبدو أن كل ما في الأمر أننا - من غير أن نعي- نتبخر معها.. 

- اللوحة لديلاور عُمر عن معاناة السوري

Image may contain: one or more people

منشور نيسان | بيان وحنان

حنان :


أعرف هذا الوجه جيداً. أكاد أقسم أنني أعرفه، لكن ذاكرتي الصدئة تَصِرُّ بينما أحاول تَذكُّرَ من يكون. لا بأس، قليلٌ من التحديق والتركيز ثم يذوب الثلج ويبانُ المرج،..
اقتربْ قليلاً،
قليلاً بعد...
ها أنت ذا، كأنني... كأنني عرفتك!
حقاً عرفتك!!
👇

بيان:

كأنك أصغر حجماً؟
ههه. لا تجِب!
أظن أنني أنا الأكبر حجماً.

تعرف؟ كنا دوماً نظن أن البطل الذي يتسلقك صعوداً لا يمكن أن يسقط في هوة الأحزان قط. قلما كنا نفكر حينها، أليس كذلك؟ أنت تعرف أفضل مني. كنا صغاراً، وكنت لأعيننا التي لا تكبر الحصى تبدو عملاقاً، وعليه فقد كان يوجد ارتفاع وهمي بين الوحش ورأس القلعة. لعبتنا.. كنا نهرب من وحش الحزن الذي يتموضع في الأسفل، نتسلق طولك الممشوق، ونعربد في الأعلى. اليوم يا أسفي، طولي الممشوق يطول الأرض.. مهما علوت فهاتين الساقين لابد ستتدليان إلى أسفل، باستطاعة الوحش الذي يشتهيها أن يهشم سعادتها المترنحة كلما حلت له قضمة. ولن تريد أن تعرف يا طال عمرك كم قضمة زرع الزمان في ساقي منذ المرة الأخيرة التي علوتك.
 
حنان:
 
حسام.
من رآك طفلاً تتسلقني لم يكن ليصدق أن طيشك سيغدو يوماً رُشداً.
ها أنت ذا، رجلٌ، بطول أولئك الذين لطالما تمنيت أن تصبح مثلهم. لكنّ الطول لا يورث الابتسام.

مالَك متجهم عبوس؟
مالِ فرحتك انقلبت حيرة؟
أين وقفتك الواثقة، متكئاً عليّ، رجلك مطوية خلفك ويدلك تشيران لهذا وذاك؟
أين العصابة، والفريق، وال"إخوة للأبد"؟
أين صوتك يا رجل! أذابَ في صورتك رجولةً، وامّحى مفعوله في ما عدا ذلك؟
انطق لعلّ صوتك يكسر جمودي فأردّ...
 
بيان:
لاثون عاماً بمقدورها أن تقلب الكرة الأرضية جمعاء. تلك سنة الزمان في الأرض.
أراك لا زلت على قسمتك من المعرفة. وليس بنيتي أن أنكد عليك رغد الحياة، ولكنك غمست ملحاً في جرحي.
هل ترى أبعد من هذا الملعب أنت أصلاً؟ أبعد من سطح المدرسة أو باحة الباصات؟ خارج
هذه البقعة يوجد عالم دوي الحزن فيه يلتهم ضحكات الأطفال، يفرمل سرعة الجري، ويضاعف اللهاث والبكاء. كانت هذه حوادث عرضية هنا. تنحشر في زوايا الملعب إن وجدت، أو أمام غرفة المديرة أو مسؤول الإسعافات.
في الخارج يا صديقي، لقد استعمرت أرضاً بكاملها. كبحناها هنا فانتشرت كالمرض الخبيث. وإن كنت تسعى خلف ضحكة فقد حشروها في زوايا العالم، على الهامش، وكمموا ثغرها البريء.
 
حنان:
قلةٌ هم من يأتون بعد طولِ الغياب، غالبيتهم يقفون دقائق شاردين ثم يرحلون إلى الأبد.
لا هم يخبرونني عمّا خلف الأفق، ولا أنا أسأل.
وماذا يفيدُ السؤالُ ان استحالت عليّ معاينة وقائعهم كما كان الحال عليه من قبل؟

أشهد كل يوم لعب الأطفال كإشراقة الشمس، ولا أتعب إلا إن كانت الشمس تتعب... ثم كلما غابت أفكر، هل سيكونون أوفياء للبوابة التي تمنعهم من الابتعاد، وتكون قضبانها سجناً لشياطين أنفسهم، وعلوُّها طموحاً لهم ريثما يجدون البديل...
هل يعجبهم عالم الكبار؟
هل يفتقدون اللعب تحت نظري؟ وهل نال كلٌّ منهم نصيبه الذي يرضيه من طول البدن وطول الشاربين؟
مالك يا حسام تقف ساهماً مثلهم؟ لماذا تبدو الكلمات على وجنتيك وفي عينيك، ثم لا يتحرك لسانك؟
ما لها يدك لا تمتد إليّ؟ هل أصبحت قديماً على كفّيك، بالياً عجوزاً على أحاديثك؟
 
بيان:
يروقنا عادة عالم الكبار حين يكسر جموده ضده. أليس كذلك؟
كنت أظن أنني لن أعود إلى هذه البقعة من الزمان حزيناً، أو مشتاقاً، أو طامعاً. قنوع أنا، لا زلت حسام الذي يكتفي بنصف عروسة الزعتر يأكلها على عتبتك ويمضي يقتات على بهجة الركض بين الرفاق، والضحك في وجه
السماء جهلاً بنية أقدار تخبئها تحت أزرق وادع، رؤوسها مصوبة نحو قلبي.
دوماً كنت أظن أني سأعود إليك سعيداً راضياً بقسمتي من براءة العالم وفرحته، أجرّ في كفي إلى كفّك طفلاً يقاسمني ملامحي وشغبي وخيالاتي التي لم تنفك تذكرك منذ البعيد. أودعه أمانتك، ثم أتلقاه مع كلل الشمس، لا كل ولا مل.
يبدو أن الأقدار في ذلك اليوم البعيد لم يرقها تبسمي في وجه السماء. ظنتني أسخر من قدراتها.. فأفلتت السهام.
ليس في كفي يد طفل أمدها إليك.
لم تشخ قط على أحاديثي، ولكن يبدو أنني أنا الذي شاخ على كل شيء.
 
حنان:
لم أجد في غيابك الثلاثيني ملامح طفل تشبهك قط. ولا حتى كمِشيتك المغرورة-البريئة.
ولم أسمع عنك ممن جاء من قبل. ولن أدعي الوفاء لك...
ما الذي أفعله سوى الوقوف مذ ضربني الحدّاد ضربته الأولى لأستقيم، فجعلني معوجّةً أنتظر نهاية الخدمة؟

سمعت أن لكل إنسان ضربة كهذه، أحياناً باردة، وأخرى تغلي... ولعلها تكون بعدما تغادرون هذه الفسحة.. ولا أدري إن كان حقاً يعني لي بقاؤكم، أو أنني أقتات على التغيير...
ولكن شيئاً يكاد يصبح واضحاً.. لعلّي أنا التي لا أسمع..
 
 
 17نيسان 2019
بيان عبد الخالق و حنان فرحات
 
 
 

فكرة

- متكئة على كفّها.
يا الله! كيف يحمل كفّها رأسَها المحشوّ بالأفكار؟ وهل تراها تُطل من الشباك لعل الأفكار تطير؟ أم إن الأفكار تتبخر مع الوقت فتقف وقفتها تلك تستجمع الأفكار من منظر الليل البهي؟

-تنكزني فكرة:
لمَ تظنين أن رأسها محشو بالأفكار؟ لعل أصحاب النوافذ المظلمة، أصحاب الفوانيس المطفأة، والمصابيح غير المشعلة، هم الأوْلى بازدحام الأفكار. هم من أنهكهم النهار فلم يقدر عليهم الليل.. أودَعهم النومَ بعد أن اجتمع ثِقَلُ الكون فوق جفنيهم. لعلهم هم المنهكون...

-وصاحبتي؟

-لعل فكرتها الأسمى لم تختمر بعد.


 
Image may contain: food
 
الصورة من حساب الانستغرام ل @manka_kasha
 

Oct 13, 2019

فاصل السعادة

لطالما كان جوابنا لأهالينا عن سؤالهم باستنكار: "من أين لك هذا؟"، "من جدتي".
كلمتان تجعلان المال الفائض في جيوبنا شرعياً، وتنقلاننا إلى المرحلة الثانية من الاستجواب: "لم قبلتم أن تأخذوه منها؟"، وحين لا يجدون جواباً ستكون خاتمة الحديث : "هل شكرتموها؟".

مسكين من لم يذق طعم الألف المدسوسة خفية في يده مع غمزة. لا مجال للشكر حيث ان القصة عملية تهريب متفق عليها، ولا مجاملات بين الشركاء :) تجلس بعد ذلك مبتسماً دافئ الجيب، لتستكمل الدلال بملء المعدة. كل ما لذ وطاب واستغرق وقتاً وجهداً للاعداد يكون جاهزاً حين تطل من الباب. كبة العيد، وحصتك المحفوظة "من غير لحم او بصل" كما تحبها تماماً، وبوظة الصيف المدقوقة المعجونة من حصاد الشجيرات حول منزلها، كان توتاً أو لوزاً بالحليب. وبين هذا وذاك، تحتار ماذا تفضل من بين يديها، فكل ما تعدّه بركة، وكل ما تعطيكَ اياه عسل.

ولما تفرغ من ذا وذاك، تجدها تمسك رجلكَ الصغيرة لتتأكد من حرارتها شتاء ثم تغيب لتعود إليك بجورب من الصوف "يقتل البرد. وقُبلة الجبين مقياس للحرارة لما تمرض، فهي الممرضة والطبيبة، تضرب الإبرة وتصف لك الحساء الساخن وكمادات الأعشاب للرضّات والتشنجات.

وهي الأم في غياب الأم، والصديقة في قربها، والمعطف في البرد، والنسيم في الحر.
وحين تغيب الجدات، يقف الوقت وتأخذ السعادة فاصلاً طويلاُ.

لعلّ تلك حكمة الكون، كلما نقص جدة، أصبحت ابنتها جدة. فيظل العالم متوازناً، فيه من يناول الحلوى، ويدس الألف باليد، ويدفئ القلب في روعه، ويصلي ركعتين كلما حل الليل، تبقى حارستين لك ما دام في قلبها نبض.

حنان فرحات
الرفيد ١٣/١٠/٢٠١٩

Aug 15, 2019

سيلفي!

استيقظ توم صباحاً بعد غفوة لم يخطط لها دامت حتى الصباح فأفسدت عليه عطلة نهاية الأسبوع.

كان نهاره حافلاً أمس، إذ كان عليه تحميل صور الأسبوع التي تراكمت عليه: صورته في ستاربكس مع قهوته المفضلة كي يستطيع أصدقاؤه معرفة ذوقه حين يرغب أحدهم بلفتة لطيفة فيحضر له قهوته المفضلة على حين غرة، صورته مع أمه إذ ان عيد الأم كان نهار الاثنين وهو ليس في مزاج يسمح باستلام ضبط مخالفة لتفويت مناسبة عالمية وجرح مشاعر الأمومة ولا باتهام بالعقوق، صور رحلته الأخيرة الى اسبانيا نهاري الخميس والجمعة حيث انه سيواجه صعوبات في الاستحصال على فيزا لرحلته المقبلة ان لم يظهر ابتسامته جليةً واستفادته من الفرصة التي مُنحت له بشق الأنفس بعد انتظار مطول. وقبل أن يصل إلى صورة قهوته خلال استراحة العمل لضمان التزام شركته بالقوانين، وصورته في النادي الرياضي لإثبات استحقاقه للضمان الصحي من الدولة، وصورته في المطبخ يعاون زوجته دليلاً على المساواة وعدم انتهاك حقوق المرأة، وصورته مع صورة الإيكو لضمان سعادته بولي العهد، وصورة مع الآيس كريم في المقهى الجديد في الشارع ١٧-ب كمساعدة للمشاريع المبتدئة، وصورته... غفا توم على "اللابتوب" دون أن ينجز واجبه كاملاً .

كان يعلم ملياً أن ما يقال عن ضبط المخالفة حقيقي، وليس إشاعة كما يدّعي مارك، بعد أن جرب مرارة تفويت تحميل الصور كاملة الشهر الماضي ودفع ما لا يقل ان نصف رصيده في البنك ضرائب مخالفة.

لم يكن يفهم كيف يستمتع الناس بنظام المراقبة الجديد، الذي يفترض به أن يحافظ على خصوصية الأشخاص، فيقوم بالعكس تماماً. كل ذلك تحت مسمى "مشاركة المنفعة مع العموم واثبات الانتماء للدولة والأمة". 

ومع ان صديقه عرض عليه خدمته "من تحت الطاولة"؛ وتوظيف مهارته في الفوتوشوب بالإضافة إلى ما أسماه "التحميل الميسّر" وذلك مقابل ضعف قيمة المخالفات المتوقعة، على أن يكون المكسب بقاء سجله لدى الدولة "نظيفاً"، لكن ذلك لم يغرّه، فالدولة مع كل الفساد الذي فيها لم تكن لتفوّت عليها عائدات القانون الجديد بهفوة كتلك، فجنّدت للمهمة مهندسين ذوي خبرة بالذكاء الاصطناعي وتحديدا مجال ال machine learning حيث يمكن تصنيف الصور المزورة وملاحقة الفاعلين من محمّلين ومزورين مع عقوبات تصل حد العمل الشاق في مجال تصنيف الصور المحمّلة الى الأبد، أو الاعدام 
.
فرك توم عينيه جيداً ثم صرخ صرخة بائسة. لن يكون بمقدوره الاستفادة من عرض الفطور المجاني مقابل صورة، ولا الاستمتاع مع زوجته بالتسوق في أحد المولات حيث لم يحجز ليلة أمس بطاقتيه، ولن تُدخله إلى هناك حتى المعجزات... قام وغسل وجهه، لم ينظر في المرآة كي لا يضطر إلى توثيق ابتسامة مزيفة، توجه إلى المطبخ حيث وجد زوجته توثّق ب"سيلفي" ربحها رحلة لشخصين بعد دخولها في سحب استوفت شروطه التي تمثّلت في سجل صور نظيف، مرتب، وخلّاق. ركض بسرعة كاشفاً عن نواجذه من الفرح، واصطف إلى جانبها ليظهر في الصورة!

حنان فرحات 
15 آب 2019
كولومبوس - أوهايو

Jun 29, 2019

علاء الدين في كولومبوس

قفز علاء الدين من الكتاب فور أن فتحته.
نظر إلي شزراً ثمّ أطال التنهد.
-ماذا تفعلين هنا؟
- أنت ماذا تفعل هنا! هذه ليست بلادك!
- أبلادك؟
-لا... أجبت بتردد. لكنني في زيارة قصيرة، أما أنت فمتربّعٌ في كتابك على رفوف هذه المكتبة كأنك مطيلُ الجلسة!
-وما الضير في ذلك؟ تبادل ثقافات.
-آه. واضح.
-أتستهزئين بي؟
-أبداً. لكن عدد النسخ الباقي على الرف يشير إلى صمود الثقافة ههنا في هذه الزاوية الصغيرة من المكتبة ما 😅. قلت مبتسمة.
-أنت لا تعرفين القوانين والتدابير هنا. متى نفذت النسخ يتم تزويد المكتبة بالنواقص.
-حسناً؛ لا يهم.
-ها، أخبريني، ماذا رأيت في زيارتك؟
-القصيره،
-زيارتك القصيرة.
-رأيت لطفاً وتنظيماً وكل ما يسهل الحياة.
-جميل، إذا أنت باقية هنا؟
-وجدت المسهلات، لا الحياة.
-يختلف الأمر حسب تعريفك لها.
-في كلامك منطق أحترمه.
-ما بالك تتلفتين يمنة ويسرة؟
-لا شيء. عد إلى مكانك بين دفات الكتاب لأكمل جولتي.
-لم ننهِ حديثنا بعد!
-أعود إليك لاحقاً.
-قلت ان زيارتك قصيرة!
-تكفي لكي أعود :)
-حسناً، سأعتبر ذلك وعداً؛
-يمكنك ذلك..

هز رأسه غير واثق بما أقول، فأنا لم يبدُ عليّ برغم ملامحي الأجنبية عن تلك البلاد أنني مستمتعة كثيراً. في بلاد ال wow لا ترقى كلمة "جميل" للتعجب الذي يسري في أوصالها.

انسحب علاء الدين عائداً إلى الكتاب آخذاً معه الألوان والغبائر التي أعاثها حيث حلّ. لم أتأكد مما رأيت، لكنني قد أعود لأكمل الحديث، وعندها يبان الواقع من السراب.

حنان فرحات | حزيران ٢٠١٩
كولومبوس-أوهايو
Barnes and Novels Library

Jun 27, 2019

الحبّ أبجدية وغرقت في الألف | حكاية نادي كتاب


الحبّ أبجدية وغرقت في الألف | حكاية نادي كتاب

ملاحظة: في النص أدناه حب وودّ كثيران قد لا يتناسبان مع أصحاب القلوب الصغيرة !

حنان فرحات | 2019

كولومبوس- أوهايو



إن النبتة، والطفل والفكرة، يكبرون ويتألقون يوماً بعد يومٍ إن تعهدناهم بالاهتمام.
ويُقال الكثير في أهمية الاستمرار على الشيء حتى يصبح عادة، حتى إن البعض يتمسكون بالأرقام، فيربطون المثابرة برقم 21 أو 30 أو غير ذلك...

لكنّ التجربة خير برهان في هذا المجال، وإليكم قصتي.

21  آب 2016

اجتمعتُ و4 فتيات (سنى - بيان - آلاء - لين)، على فكرة نادٍ للقراءة. كانت الفكرة خلابة: اسمٌ للنادي؟
هل يكون ألف باء؟ أم يكون همزة؟ أم نون؟ تكاثرت في مخيلتنا الأحرف، واجتمعت في حضرتنا الأفكار والصور لفواصل كتبٍ وأكواب شاي وقرّاء كثُر كثُر!

ولمّا استقرينا على الاسم البديع، "ألِف"، وطُبعت في قلوبنا المحبة له، احترنا في شعاره... تارةً نكتب "أ" وأخرى نرصف فيها كتباً يتكئ عليها الحرف، ومرّاتٍ نزيد كوب شاي، ثمّ بعد لقاءين أو ثلاثة، كان شعاره الجميل.

وأمّا الألوان فما اختُلِف عليها... كل ما هو فرِح سيَدُلّ علينا... سيكون ألِف علامة للبهجة، وسيجمع محبي القراءة، ومحبي الكتاب على وجه الخصوص.

وأما النشاطات فعصفنا أذهاننا لما يكفي أشهراً عديدة... وجعلنا في بالنا للنادي روزنامة ثريةً، حتى لم نعد نرى غيره حتى قبل أن يولد.
شعار نادي ألِف للكتاب

16-أيلول 2016

أطل شعار ألِف على العوالم الاجتماعية يسترق النظر على ردود الفعل. هل سيحبه الناس؟ هل سيتقبلونه؟ هل سيقبلون به صديقاً صدوقاً؟
أصبح لألف صفحات على موقعي انستغرام وفيسبوك. خلال يومين، أًصبح له 500 متابع ... ها هو يضع قدميه الصغيرتين على الأرض. إنه يستعد للحبو!



25 أيلول 2016

لقاء ألِف الأول انعقد.
كانت كل واحدة منا مقطبة الحاجبين تحاول أن تبتسم. هل سيحضر أحد اللقاء؟ ما الذي يهم. نناقش الكتاب وحدنا. خمس فتيات يكفين لإدارة حوار حول كتاب "أم سعد" لغسان كنفاني. ونأكل الحلوى وحدنا، لا مشكلة. صرنا نحدّث بعضنا بذلك مداراة لقلوبنا من خيبات الأمل. بعد إعداد شهر، سيكون صعباً علينا ألا نرى مناصرين لفكرتنا، محبّين لجلسات القراءة...
وما ان اقترب موعد اللقاء حتى علا وقع الأقدام.. واحد، واحدة، ثلاثة، اثنان، وهكذا حتى صرنا سبعة وعشرين وربما بلغنا الثلاثين.
اتّسعت مُقَلنا مع ازدياد الوجوه المطمئنة، وهدأ روعنا من البدايات... لم يعد للحضور لاحقاً نصف من حضر ذلك اللقاء. لكن النصف الثاني بقي، وهذا ما يهم. كان كل لقاء بعد ذلك يكسبنا صديقاً جديداً على الأقل، ومهما غابت الوجوه عنّا، كنّا نوقن أنهم سيعودون ولو بعد حين.

صورة من اللقاء الأول



4 كانون الأول 2016

زرنا معرض الكتاب، وكان ذلك أول مشوار لنا كعائلة. أحسسنا بروح الفريق، ونُبلِ الهدف. لا شكّ بأن الخوف من القادم قد كبّل أيدينا عن التوسع كثيراً في النشاطات، والجموح بعيداً في التصورات، لكننا كنا نمشي خطوة خطوة. كان ألِف يسير، وذلك كان ما يهم.
 
دخلنا عام 2017 بقوة. كنا شعلة تتقّد حماسة، فاستضفنا كُتّاباً عبر سكايب وعبر الهاتف، وجربنا دمج الفيلم القصير مع المناقشة، فاشتدّ عود الفريق وثبتَ الحضور وأصبح شعورنا بالانتماء للنادي واضحاً كالشمس. وعلى ذكر الشمس، كانت لنا خريطة صيف خلابة، تنقلنا فيها بين بيروت وصيدا وبرالياس فتعرفنا على قرّاء في مدرسة الإيمان في صيدا، واستمتعنا بالنقاش مع نادي القرّاء في بيروت، وتذوقنا طعم المناقشة في مكتبة برالياس العامة. 
كما أصبحت للنادي علامته المميزة؛ فواصل القراءة الخاصة به! 

أول فواصل كتب اعتمدها النادي


29 أيلول 2017

السنوية الأولى.
لبس النادي أبهى حلله، وتألق للاحتفال بعيده الأول. ها هو قد كبر عاماً، ونحن ننظر إليه كما لو أنه حلم ينزل من السماء. لم تصبح كثير من أفكارنا حقيقة بعد، لكن في الوقت متسع، والقليل الدائم يصنع فارقاً.
اجتمع أعضاء النادي على غداء تكريمي نظمته مدرسة الروافد، تخلل جلسات نقاش حول مسار النادي، ثم نشاط تبادل الكتب بعد عرض فيديو يلخص نشاطات النادي في السنة السابقة.
كانت الصورة الجماعية مسك الختام، ولا زالت تطبع على وجوهنا الابتسامة كلما مرت في البال.  


الكتب التي تم تبادلها في الذكرى السنوية الأولى


في عامه الثاني، وبالتنسيق مع خدمة التوصيل المجاني للكتب: بوكبوست، تم تأمين حسم خاص على قوائم ألِف للكتب وحسم خاص بحمَلَة بطاقة عضوية نادي ألِف. استضاف اللقاءات عدة مراكز، منها بيت ليان ومركز بصمات، وكرر زيارته إلى معرض الكتاب وإلى نادي القرّاء في بيروت، ثم توالت اللقاءات حتى السنوية الثانية. أصبح له ملصقات تحمل شعاره وبطاقات عضوية واكسسوارات اللقاء، لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي يبدو عليها. واجهتنا مشاكل ومواقف محبطة. كانت لنا لقاءات بقلّةٍ من الحضور، وتوتّر قبل نقاش مشحون، وإعدادٌ مضطرب في غمرة انشغالات، وخوف من مستقبل يتأرجح على كفّ عفريت. بدأ عقد فتيات النادي الأُوَل ينفرط. سافرت الأولى وهمّت الثانية بالسفر. ولا شيء واضح في الأفق عن مصير البقية. أصبح السؤال يطرح نفسه بقوة: هل ستستمر الحكاية؟!




30 أيلول 2018

اللقاء ال 22.
بذلة الغوص والفراشة، نوقش الكتاب الذي كُتب بجفن العين اليسرى، ثم احتفل الأعضاء بالسنوية الثانية. تناولوا الطعام والحلوى وتم تبادل الكتب. كان الحضور كثيفاً، لكن بعض الوجوه كانت غائبة. أصبح غياب البعض مؤلماً بعد أن الحضور مفرحاً. لكنّ على النادي أن يستمرّ. على الفكرة أن تبقى لأجل الفكرة، لا لأجل الأشخاص.
ترك الجميع رسائلهم لألِف الجميل يومذاك. "أنجز لو بعين واحدة"، "نادي ألف، محطة تغيير"، "ألِف هو أحد الصرخات التي قال عنها درويش: وأصرخ لأعلم أنني ما زلت حياً..."، وغير ذلك الكثير.

الرسائل التي تركها الحاضرون للنادي





كُتب بهيةٌ نوقشت بعد السنوية. كانت الاختيارات موفّقة، بعد أن كان الموضوع تحديّاً في البداية.

29 نيسان 2019

اللقاء ال29. الدجاجة التي حلمت بالطيران. نوقش الكتاب.
كان الأمر صدفة غريبة، دجاجة تحلّق بعيداً عن السرب، تعيش الاختلاف لكنّها تقتنع أخيراً أن الاستمرار يحتاج إلى تضحيات. تركت ابنها فرخ البط – الذي لم يكن ابنها ولكنّها من قام بتربيته- يحلّق مع بني جلدته لأن مصلحته تصبّ في ذلك. ثم غادرت بالطريقة التي تراها مناسبة.
وها هو ألِف، يحلّق ويغرّد، حيث تصبّ مصلحته، في أيدٍ أمينةٍ، بين بني جلدته -قرّاؤه وأبناؤه-، بعد أن كان لي شرف إدارته لمدة سنتين وسبعة أشهر. يلقي التحية إليّ من بعيد، كما يفعل فرخ البط للدجاجة كلما بدا لها في السماء محلّقاً.

جرى التنسيق لنقل المهمات، والمساعدة قدر الإمكان لانطلاقة أقوى وأثبت. تم التحضير لمفاجآت في سير اللقاءات، الجو مفعم بالحماس، وهذا ما يهم! 



8 حزيران 2019

إنه يوم زفافي لشريك العمر الذي كان "ألِف" أحد الأسباب التي وحّدت طريقنا.
ألِف حاضرٌ بالعزيزات اللواتي زدن الزفاف سحراً.
ألِف كان في العين والعقل، وصار أقرب إلى القلب منذ ذاك اليوم...





احضروا لقاءات ألِف فإنها -والله- مُذهبة للكدر والغم، تضفي إلى الحياة لوناً بهياً لا تجده في غيرها مهما تلوّنت أجنحتكم!


رابط صفحة نادي ألِف للكتاب على فيسبوك:

رابط النادي على انستغرام: