Dec 31, 2019

أسئلة من دون إجابات

لقد كنت على يقين أن ذلك سيحصل، ولكن ليس بتلك السرعة. لطالما تخيلتُ في صِغري أن جدتي ماتت، وصرتُ أنعي بدموعي أيامها الجميلة البديعة وحِكَمها الرصينة.

غُرّبت جدتي في عز صباها لخاطِر عريس أحبّها فخطبها ثم سرعان ما زُفّت إليه. وعاشت طوال السنين وقصارها، أيام الجوع والشبع، ولادة أبناء كُثُر وموتهم.. لم تدرِ أنها ستؤرق بالي على الدوام بزواجها ذاك. كنتُ أشعر بغصة كلما تذكرت أنها لم تستطع رؤية عائلتها كلما أرادت، ولربما فعَلتْ، لكن السيناريوهات في رأسي كانت تذهب للأسوء كي تستجلب البكاء.

كان لدي أسئلة كثيرة عن البداية، الماضي، البيت الأول، اللمّات الحلوة، والقلوب الطيبة. لكن النهاية كانت أسرع، جاء الخبر ساخناً عبر الهاتف، كنتُ على يقين أنّ ذلك سيحصل، ولكن ليس بتلك السرعة.

#حنان_فرحات
#تمرين_كتابي ٣
٢٠٢٠

Dec 25, 2019

أين؟

-أين تذهب الأفكار؟
-تقصد أين تذهب بنا؟
-أقصد أين تغيب بعد أن تضرم فينا النيران حتى ننسى الأسباب الأولى؟
-ربما تتبخر...
-ولكنها تصبح جزءًا من ماهيتنا...
-ربما..
- يبدو أن كل ما في الأمر أننا - من غير أن نعي- نتبخر معها.. 

- اللوحة لديلاور عُمر عن معاناة السوري

Image may contain: one or more people

منشور نيسان | بيان وحنان

حنان :


أعرف هذا الوجه جيداً. أكاد أقسم أنني أعرفه، لكن ذاكرتي الصدئة تَصِرُّ بينما أحاول تَذكُّرَ من يكون. لا بأس، قليلٌ من التحديق والتركيز ثم يذوب الثلج ويبانُ المرج،..
اقتربْ قليلاً،
قليلاً بعد...
ها أنت ذا، كأنني... كأنني عرفتك!
حقاً عرفتك!!
👇

بيان:

كأنك أصغر حجماً؟
ههه. لا تجِب!
أظن أنني أنا الأكبر حجماً.

تعرف؟ كنا دوماً نظن أن البطل الذي يتسلقك صعوداً لا يمكن أن يسقط في هوة الأحزان قط. قلما كنا نفكر حينها، أليس كذلك؟ أنت تعرف أفضل مني. كنا صغاراً، وكنت لأعيننا التي لا تكبر الحصى تبدو عملاقاً، وعليه فقد كان يوجد ارتفاع وهمي بين الوحش ورأس القلعة. لعبتنا.. كنا نهرب من وحش الحزن الذي يتموضع في الأسفل، نتسلق طولك الممشوق، ونعربد في الأعلى. اليوم يا أسفي، طولي الممشوق يطول الأرض.. مهما علوت فهاتين الساقين لابد ستتدليان إلى أسفل، باستطاعة الوحش الذي يشتهيها أن يهشم سعادتها المترنحة كلما حلت له قضمة. ولن تريد أن تعرف يا طال عمرك كم قضمة زرع الزمان في ساقي منذ المرة الأخيرة التي علوتك.
 
حنان:
 
حسام.
من رآك طفلاً تتسلقني لم يكن ليصدق أن طيشك سيغدو يوماً رُشداً.
ها أنت ذا، رجلٌ، بطول أولئك الذين لطالما تمنيت أن تصبح مثلهم. لكنّ الطول لا يورث الابتسام.

مالَك متجهم عبوس؟
مالِ فرحتك انقلبت حيرة؟
أين وقفتك الواثقة، متكئاً عليّ، رجلك مطوية خلفك ويدلك تشيران لهذا وذاك؟
أين العصابة، والفريق، وال"إخوة للأبد"؟
أين صوتك يا رجل! أذابَ في صورتك رجولةً، وامّحى مفعوله في ما عدا ذلك؟
انطق لعلّ صوتك يكسر جمودي فأردّ...
 
بيان:
لاثون عاماً بمقدورها أن تقلب الكرة الأرضية جمعاء. تلك سنة الزمان في الأرض.
أراك لا زلت على قسمتك من المعرفة. وليس بنيتي أن أنكد عليك رغد الحياة، ولكنك غمست ملحاً في جرحي.
هل ترى أبعد من هذا الملعب أنت أصلاً؟ أبعد من سطح المدرسة أو باحة الباصات؟ خارج
هذه البقعة يوجد عالم دوي الحزن فيه يلتهم ضحكات الأطفال، يفرمل سرعة الجري، ويضاعف اللهاث والبكاء. كانت هذه حوادث عرضية هنا. تنحشر في زوايا الملعب إن وجدت، أو أمام غرفة المديرة أو مسؤول الإسعافات.
في الخارج يا صديقي، لقد استعمرت أرضاً بكاملها. كبحناها هنا فانتشرت كالمرض الخبيث. وإن كنت تسعى خلف ضحكة فقد حشروها في زوايا العالم، على الهامش، وكمموا ثغرها البريء.
 
حنان:
قلةٌ هم من يأتون بعد طولِ الغياب، غالبيتهم يقفون دقائق شاردين ثم يرحلون إلى الأبد.
لا هم يخبرونني عمّا خلف الأفق، ولا أنا أسأل.
وماذا يفيدُ السؤالُ ان استحالت عليّ معاينة وقائعهم كما كان الحال عليه من قبل؟

أشهد كل يوم لعب الأطفال كإشراقة الشمس، ولا أتعب إلا إن كانت الشمس تتعب... ثم كلما غابت أفكر، هل سيكونون أوفياء للبوابة التي تمنعهم من الابتعاد، وتكون قضبانها سجناً لشياطين أنفسهم، وعلوُّها طموحاً لهم ريثما يجدون البديل...
هل يعجبهم عالم الكبار؟
هل يفتقدون اللعب تحت نظري؟ وهل نال كلٌّ منهم نصيبه الذي يرضيه من طول البدن وطول الشاربين؟
مالك يا حسام تقف ساهماً مثلهم؟ لماذا تبدو الكلمات على وجنتيك وفي عينيك، ثم لا يتحرك لسانك؟
ما لها يدك لا تمتد إليّ؟ هل أصبحت قديماً على كفّيك، بالياً عجوزاً على أحاديثك؟
 
بيان:
يروقنا عادة عالم الكبار حين يكسر جموده ضده. أليس كذلك؟
كنت أظن أنني لن أعود إلى هذه البقعة من الزمان حزيناً، أو مشتاقاً، أو طامعاً. قنوع أنا، لا زلت حسام الذي يكتفي بنصف عروسة الزعتر يأكلها على عتبتك ويمضي يقتات على بهجة الركض بين الرفاق، والضحك في وجه
السماء جهلاً بنية أقدار تخبئها تحت أزرق وادع، رؤوسها مصوبة نحو قلبي.
دوماً كنت أظن أني سأعود إليك سعيداً راضياً بقسمتي من براءة العالم وفرحته، أجرّ في كفي إلى كفّك طفلاً يقاسمني ملامحي وشغبي وخيالاتي التي لم تنفك تذكرك منذ البعيد. أودعه أمانتك، ثم أتلقاه مع كلل الشمس، لا كل ولا مل.
يبدو أن الأقدار في ذلك اليوم البعيد لم يرقها تبسمي في وجه السماء. ظنتني أسخر من قدراتها.. فأفلتت السهام.
ليس في كفي يد طفل أمدها إليك.
لم تشخ قط على أحاديثي، ولكن يبدو أنني أنا الذي شاخ على كل شيء.
 
حنان:
لم أجد في غيابك الثلاثيني ملامح طفل تشبهك قط. ولا حتى كمِشيتك المغرورة-البريئة.
ولم أسمع عنك ممن جاء من قبل. ولن أدعي الوفاء لك...
ما الذي أفعله سوى الوقوف مذ ضربني الحدّاد ضربته الأولى لأستقيم، فجعلني معوجّةً أنتظر نهاية الخدمة؟

سمعت أن لكل إنسان ضربة كهذه، أحياناً باردة، وأخرى تغلي... ولعلها تكون بعدما تغادرون هذه الفسحة.. ولا أدري إن كان حقاً يعني لي بقاؤكم، أو أنني أقتات على التغيير...
ولكن شيئاً يكاد يصبح واضحاً.. لعلّي أنا التي لا أسمع..
 
 
 17نيسان 2019
بيان عبد الخالق و حنان فرحات
 
 
 

فكرة

- متكئة على كفّها.
يا الله! كيف يحمل كفّها رأسَها المحشوّ بالأفكار؟ وهل تراها تُطل من الشباك لعل الأفكار تطير؟ أم إن الأفكار تتبخر مع الوقت فتقف وقفتها تلك تستجمع الأفكار من منظر الليل البهي؟

-تنكزني فكرة:
لمَ تظنين أن رأسها محشو بالأفكار؟ لعل أصحاب النوافذ المظلمة، أصحاب الفوانيس المطفأة، والمصابيح غير المشعلة، هم الأوْلى بازدحام الأفكار. هم من أنهكهم النهار فلم يقدر عليهم الليل.. أودَعهم النومَ بعد أن اجتمع ثِقَلُ الكون فوق جفنيهم. لعلهم هم المنهكون...

-وصاحبتي؟

-لعل فكرتها الأسمى لم تختمر بعد.


 
Image may contain: food
 
الصورة من حساب الانستغرام ل @manka_kasha