Feb 9, 2013

المنبّه الكاذب !



في يوم صيفيّ مشمس، كنت ألعب في طريق حيّنا، مع أطفال الحارة، حين سمعت جارتنا "الحاجّة" تُطمئن أمي على وصول زوجها الحاجّ إلى وجهته التي سافر إليها،.. وفهمت من حديثهما أنّه سيمكث أياماً عدة هناك قبل أن يعود..
فاستغربت من فكرة بقاء الحاجّة وحدها في المنزل في غيابه.. وأحسست بمسؤولية تجاهها..كيف سأتركها تمضي الليل وحيدة في منزل كبير مظلم، دون مؤنس أو معين!
ألن تخاف؟!
فما كان لي إلا أن ركضت نحوها بلهفةٍ، وسألتها عمّا إذا كانت تحتاج من يمضي معها الليلة، لكنّها رفضت شاكرةً..إلا أنني بقيت ألحّ عليها، وأزيد إصراراً.. ولم أتركها إلا وقد انتزعت منها دعوة للمبيت عندها..
لا أدري إن كان إصراري حينها رغبةً في رؤية منزلها من الداخل، أو شعوراً حقيقياً بالمسؤولية، ورغبة صادقةً في المساعدة..أم كان تشوّقاً للعب دوري كراشدة تقف بجانب جارتها وقت "المحنة"!

مع حلول الليل، تأبطت ثياب النوم، وتوجّهت برباطة جأش إلى منزلها، كما لو أنّي ذاهبة لنصرتها وحمايتها من جنود الليل وظلال الوحدة..
طرقت على بابها بلطفٍ، ففتحت ورحّبت بي، ثم صعدت أمامي إلى الطابق العلوي الذي كان ظلامه دامساً، تحيط به أبوابٌ مغلقةٌ، خلف كلٍّ منها وحش سأنازله الليلة..
الباب الأول على يميني كان باب الغرفة التي سننام فيها، فلم تُتَح لي الفرصة لأدقّق النظر في الأهداف القادمة..
لا أذكر إلا سريرين، وطاولةً صغيرة بينهما، تنتصب عليها ساعة منبّه.. وفوق سريري نافذة تطل على الدار الواسعة، وقبالتها منزلي..
دقائق، ونامت الحاجة ونمت،.. ولكنني ما نمت..
تقلّبت في السرير يمنة ويسرة.. تأملت السقف والجدران والخزانة، أبحث عن النوم لعينيّ، لكن دون جدوى..
قمت بهدوءٍ، وتلصّصت من النافذة على والديّ.. هما هناك، جالسان أمام المنزل يشربان الشاي تحت ضوء القمر.. أسمع ضحكاتهما إلى هنا.. ليس لأنها عالية، بل لأنني أحفظها مذ كنت صغيرة، وأميّزها بسهولة بين ضجيج الأصوات..
ماذا أفعل الآن؟ أغار منهما جالسين يسهران، وأنا هنا أؤدي مهمّة الحارس الّليلي التي ألبستها لنفسي..!
نظرت إلى المنبه، فإذ بعقاربه تشير إلى الساعة السابعة!! منذ متى وأنا أنام عند السابعة؟! لم أصدّق أنني كبرت حتى أستطيع السهر كما يحلو لي..
ورويداً رويداً.. بدأ حديثي لنفسي يفقدني شجاعتي.. أو على الأقل، يزيّن لي العودة إلى المنزل..
جلست على السرير، أتأمل الوضع.. الهدوء قاتلٌ..لا يشوبه إلا صوت أنفاسي، وأنفاس الحاجّة..
بمَ ورطت نفسي؟! لم تكن بحاجة لي ولمعروفي!
وبينما أحدّث نفسي،  وإذ بصوت يسألني: "لماذا لم تنامي بعد؟"..
كانت تلك الحاجّة.. اضطرتني أن أكذب، وأدّعي أنّ رأسي يؤلمني.. لكنّها عرضت عليّ الدواء .. فرُحت أناورها وأراوغها حتى عرَضَت علي العودة إلى المنزل، فهززت رأسي بالإيجاب.

نزلت معي الدَّرَج، ثم أَصَرَّت أن توصلني إلى المنزل، بالرغم من محاولاتي لثَنيِها عن ذلك..
وجاءت أمي تستقبلني، ويا لفرحتي!
شابَ حوارَهما الشكّ حول صداعي الذي ادّعيت،..فحاولتُ أن أُبعِد التّهم بتعليلي أنني غير معتادة على النوم مبكراً.. ويا ليتني لم أفعل.. فقد كانت إجابة أمي أن الوقت قد قارب منتصف الليل.. !
أما إجابة الحاجّة فقد كانت كَدلوِ ماء باردٍ سُكب علي، حين ضحكت وأخبرتني ان المنبّه الذي كان بجانبي معطل! ومن حسن حظي أن الظلام كان شديداً، ليُخفي احمرار وجنتيّ.
لكن ذلك لم يهمّني بالمقارنة مع فرحتي بالعودة إلى غرفتي، وسريري، وأنفاس أخواتي.. إنّما كان درساً قيّماً أن أعيش عمري ببطء، ولا أرمي بنفسي على المسؤولية.. فهي عاجلاً أو آجلاً، ستلقى على عاتقي..
حنان فرحات
2-9-2013