أوصل
طلبيته الأخيرة إلى زبون أصابه الجوع مع بزوغ الفجر، ثم أكملَ إلى منزله شبه غافٍ. ضحك من سخرية الحال؛ يوصل أشهى المأكولات ساخنةً بأسرعَ ما يمكن كي يُبقي على
علاقة الزبون بالمطعم مميزةً، متحمّلاً مزاجيّتهم في اختيار توقيت تناول الطعام،
وقلة ذوقهم أثناء استلامهم الطلبيات في كثير من الأحيان، وحتى أسئلتهم الحشرية أو
نكاتهم السخيفة، لكنه حين يقفُل عائداً إلى وَكرِه مع بداية النهار، صديقُه الوحيد
السّاهر هو الجوع، يجد نفسه يغلي كوب ماء يسكبه فوق وجبة المعكرونة سريعة التحضير
ويتناولها بِنَهم قبل أن يَنكَبَّ نائماً على وجهه من فرط النعاس.
يزعجه
العمل في الليل كثيراً ولو أنَّ الناس في ذلك الوقت الحساس يصبحون أسخى، حيث إن
كرامته لا تسمح -بكلّ الأحوال- أن يتقاضى البقشيش زيادة عن كلفة الطلبية بالرغم
من الزيادة الملحوظة التي تُحدِثها على مدخوله. تبدو فكرة تقاضيها عبر التطبيق
مباشرةً عند طلب الزبون ألطف؛ كما لو أنّ البقشيش يكون للمطعم بذاته، لا له. في
هذه الحالة، لا يقلّ المبلغ أو يزيد حسب وسامته أو لُطفه، بل حسب مزاج وقُدرة
الزبون.
يتساءل
أحياناً عن آرائهم به، أو الأفكار التي تجول في أذهانهم حين يفتحون له الباب
بلهفة. يوقن أن اللهفة للوجبة التي يحملُ بعناية، لا له على وجه الخصوص، ولكنّه
كان قبلُ ممن يطلبون الطعام إلى المنزل مع خدمة التوصيل –حصراً حين كان يضطر-.
بالطبع لم يكن يطلب الطعام ليلاً، لكنّه –حين كان يطلبه وحيداً- كان يفكّر في مدى الحاجة التي تجعل
شخصاً يُسخّر وقته لتلبية طلبات أناسٍ لا يعرفهم مقابل بدل مالي. ولو زادت مدة
الانتظار، كان يرسمُ في مخيلته سيناريوهات عديدة لحيوات عمّال التوصيل. ربما معيلٌ
لأسرة فقيرة، أو ابنٌ بكرٌ يتيم، أو طالبٌ يؤمّن مصروف جامعته. لم يتخيل يوماً أنه
سيكون المرسوم في خيال أحد الزبائن بينما يوصل بنفسه الطلبية إليه.
حنان فرحات | 26-12-2019