Oct 1, 2014

في مطلع تشرين




في رأسي أزيز كلمات منذ أيام. تقفز بنشاط، حتى إذا وصلت درجة الغليان تسرّبت إلى يدي، فلا أكاد أراها تشتاق شيئاً أكثر من القلم. هي حالة طبيعية تنتابني بين كل فترة وأخرى، فإمّا أن تصرعني في لحظات الهدوء، أو أن أطفئ "حركاتها" بمداد تنقطع عنه النوبات حتى ليظنّ أنّه تيتّم، ثمّ تعود إليه كنفخة تبثّ في الرّوح فيولد من جديد.
 هذه المرة، ضجت كلماتي بتشرين.
لم أكن يوماً من مقدّسي التواريخ، ولم أحاول أن أمنّ على يومٍ من أيام الأسبوع بفرط سعادة، كما لم أجد فضلاً لشهر دون آخر.. لم أعجب يوماً بورود الربيع أكثر من كريات الثلج، ولا بعطلة الصيف على وريقات الخريف. كنت دائماً أحمل السعادة على مدى الاستعداد الذاتي لتقبّلها، والأمل على نفس تستبشر به.
أمّا لِمَ، فلِأنّ تشرين الأول صار ذكرى تقضّ مضجعي، مذ راودتني نوبة الكتابة في تشرين الذي سبق، وظلت أياماً تؤرقني حتى صرعتها. حينها دوّنت:
  " ترددت كثيرا قبل أن أكتبك.. لا لأنني لا أملك الكلمات، بل لأن في خاطري الكثير من الأفكار التي تتزاحم لتصطف على شاشتي سطوراً فتعلق جميعها في عنق الزجاجة. .
 تعيسة هي، بعض هذه الأفكار، بقدر تعاسة كونها على شاشة رقمية، تمحى عنها بضغطة على زر أو اثنتين.. وجميلة، أفكاري الأخرى، كما  لو أنها مكتوبة على ورقة صفراء بريشة حمامة أغرق رأسها بالحبر.. لا يستطيع أحد أن يمحوها..  يستطيع أن يمزقها، لا أن يمحوها..
 رأسي؟ هو أقرب ما يكون الآن إلى رأس تلك الريشة. .  تغرقه طبقات ثخينة من الهواجس والأفكار والأحلام، بكثافة الحبر..  كل ما عليه هو أن يسكبها رويداً رويداً فتنتظم كلمات..  لكنني أراه يقف حائراً على أول السطر في الأعلى، فيسيل حبره بسخاء ويغرق البداية بحلكة تزيده ضياعاً..
أكتبك، لكن لا أضطرك أن تفهم. 
أكتب وأنا مدركةٌ أن الكلمة قادرة على حفظ الأحاسيس أكثر من أيّ صورةٍ حبيسة إطار، وأنّ الطّريق إلى الخلود مفتاحه قلب يملك قلماً.  أكتب وأنا مدركة أن المحظوظين هم من يتخاطبون بلغة الكتابة، وأنّني سأستمتع فيك بمراقبة سمائي بمنظار القراءة.. وأنّي مجرّد غيمة تمطر فلا تدري أرَمَت قطراتها على وادٍ ذي زرع أو جلمود صخر."
وبين قلم وزر، وحبٍّ وحرف، وتشرين وتشرين، تتخبّط أفكار أخرى  بالعشوائية  ذاتها، ولا يفتأ القلم  يكتب حتى يعتزل القلب فيرفض أن يخفق.  في ذاك، كتبت القليل. وبين هذا وذاك، أذهب الكثيرُ عقلي. وها أنا ذا في مطلع القليل مرّة أخرى، في مطلع تشرين.
لكنّ سؤالاً يبقي سيل كلماتي قابلاً للاستزادة من صدر الجبل: إن كان كثير الكتابة يُذهب العقل، أيحرم قليله؟

October 1st, 2014