Oct 17, 2014

هل يصفح الحمار؟




لم يَكَد ينهي جملته حتى شهقت، كأنني أنوي بشهقتي تلك أن أبتلع الغلاف الجوّي. فقد انطلقت كلمة "حمار" من فمه إلى أذنيّ ككويرة حديد تُركت في الهواء لتهويَ على سطح زجاجيّ هشّ. كان تأثير تلك الكلمة على عقليَ الصّغير بالغاً. ومع أنّني لم أكن أنا المقصودة، إلا أنّني في كلّ مرّة سمعتها، كنت أتّخذ ردّة الفعل ذاتها بالمقدار ذاته من البراءة.
لا أدري إن كنت أفهم حينها أنّ في إطلاق هذا النّعت على الإنسان ظلمٌ للاثنين: للإنسان وللحمار. لكنّني كنت غالباً أهرع إلى أقرب راشد لأنتزع باللجوء إليه اعتذاراً للطفل المنعوت. ظننت أنّني إذ أكبر، سيتحسّن الوضع ويدرك مُسيئوا استخدام الألفاظ خطأهم. لكنّهم كبروا، ومن أتبعَ لسانه هواه لم يزده العمر إلا سلاطةَ لسان غالباً، إلا ما عفا الله.
كبرتُ وأصبحت "دبّة" و"حمار" مجاملات. واعتدنا على سماع الجارحات من الكلمات، وفهمها ب"حسن نيّة"، فقائلوها تربطنا بهم الصّحبة وعشرة العمر. وأصبحت الكثير من الأخطاء من حولنا عادات. وتعدّى الخطأ المنفّذين حتى وصل إلى الرّاضين عنه، والسّاكتين عليه. ولعلّ الإنكار بلطفٍ "مَطَبٌّ" يخفّف سرعة السّير قليلاً، فيمنع الحوادث.
حاول أن تراقب لسانك، وتضع رسوماً جمركيّة على كلماتك، لعلّ حديثك يرقى، وصداقاتك تسمو.. وتذكّر، قد يصفح الإنسان إن نعتّه بالحمار، لكن هل يصفح الحمار إن نُعِت بعض النّاس به؟
November 17th, 2014