أغمضت عينيّ في
ذلك النهار، لكنني فشلت في فتحهما مرة أخرى. يبدو أنني ضغطت بجفني أكثر مما يجب..
لكن أي وسيلة لم تفلح لفتحهما..
تحسست بيدي جانب
السرير.
هذه المرة الأولى التي أحاول فيها مغادرة السرير
بهذا البطء، والمرة الأولى التي أدرك فيها أن سريري بهذه الرّحابة..
أزحت اللحاف
ببطء.. سميك بالقدر الكافي لطبخي بدل تدفئتي طوال الليل.
أحاول فتح عيني
لكن لا فائدة.
أحرك قدماي
كأنّهما هما اللتان فقدتا النّظر لا عيناي!
ببطء أزحلقهما
نزولاً، ظهري متعامد معهما.
لا زلت لا أرى،
أو أنّني أرى
توحّد الألوان.. والأشكال بسواد الكحل.. الكحل الذي يعمي البصر بدل أن يزيّنه
للنّظر.
مددت يدي إلى
الأمام، يدي الأخرى على السرير تمسك به كأنّه سيهرب.
تمتد الأولى تبحث
عن .. لا شيء!
أذكر أن لا شيء في
محيط السرير. أتذكّر، وتحفظ يدي.
أستجمع قوّتي وأقف
كما الواقف في حلبة مصارعة، لا يدري من أين ستأتيه الضربة.
أعتصر دماغي.. كم
خطوة أبعد عن الباب؟!
ألتفّ وأسير. ببطء تتقدم قدماي. تسيّرانني بعد أن كنت
أسيّرهما، وتقودانني بعد أن كنت قائدهما.
تزحفان ببطء على
خيوط السّجادة الحمراء. لا يهم لونها الآن بقدر ما يهم أن لا أكون قد نسيت _في ما
كنت قد رميت عليها_ شيءاً حادّاً..
أتسائل الآن وأنا
أحاكي دقّات الساعة التي ترنّ في رأسي، لِمَ لم أنتبه يوماً إلى تثاقلها؟؟ لم كنت
دائماً في سباق مع الوقت، في حين لم يأبه هو يوماً لأن يسبقني؟ بل لم يزد في سرعته
جزيئاً من الثانية بينما ركضت أغرف من الحياة؟
تتحسس رجلس رأس
إبرة فتتنذرني بالوقوف.
أعود بالذاكرة إلى
الوراء، علّني أذكر ما هذا، أو لم كنت في عجالة حينها؟
انحنيت ببطء كي
أتحسس أين وصلت، وأزيح العراقيل من أمامي. بحذر وضعت يدي لألتقط الفرجار. أمسكت به
بيدٍ، ورأيت أنّه من الأفضل أن أتابع التقدم ببطء زحفاً.
يداي تتقدمان على
جسمي كالدرع يحتمي خلفه المقاتل، متأهبةً لأيّ هجوم. لا أدري إلى أين أريد أن أصل!
أنادي أمّي علّها
تساعدني في تحديد وجهتي وإيجاد حلّ لمصيبتي.
لا أستطيع أن أذهب
إلى العمل وأنا بهذه الحالة. كيف سأقرأ آخر المستجدّات؟ وكيف سأتابع الإشراف على
التقارير، ثمّ كيف سأكتب مقالتي اليومية للجريدة؟
ربّما عليّ أن
أتّصل وأطلب إجازة ريثما أفهم ما يحصل.
"هاتفي! كان
بجانب الوسادة! هذا يعني عودة للوراء.. ولكن حتّى إن عدت.. كيف سأفتح قفل الهاتف،
ثمّ أختار جهة الاتصال، ثم أطلبه؟ لا نفع
من ذلك إذن.. يجب أن أجد أمّي... أمّي..
أين أنت يا أمّي.. أنا لا أرى، تعالي ساعديني لأصل إليك.. تأخرت عن العمل ولا أرى
إلا السواد.."
صوت أمي يقترب.
ها هي قد جاءت.
"ماذا قلت يا
حسن؟"
"لا أستطيع
أن أرى"
"افتح عينيك
لكي ترى! لا تقل لي أنّك تنوي أن ترى دون أن تفتحهما!"، قالت ضاحكة.
"حاولت، ولكن
لم أستطع!"
"هيا، لا
تلعب دور الصغير المدلل، تأخرت عن
جامعتك!"
بكلّ ما أوتيت من
قوة، عزمت على المحاولة مرّة أخرى. فتحتهما فارتفع جفناي متثاقلان.
أنا في السرير. لم
أتأخر عن العمل. أفتح هاتفي الجوال،
خمسة اتصالات
فائتة من أحمد، ورسالة يسأل فيها عن سبب غيابي عن المحاضرة الصباحية.
November
22, 2014