Oct 19, 2015

أحذية السّكّر





أغمضت عينيها الصغيرتين ليلاً، فوجدت كمّ الظلام وحشاً مخيفاً أكثر من "أبو كيس" الذي يختبئ تحت السرير.. فتحت عيناً وقررت الالتزام بنصف نومٍ تتلصّص فيه على النور المتسرّب من شقّ الباب، يضمن لها أن لا تفقد بصرها..
لا تدري لمَ تُصرّ أمها على إغلاق باب الغرفة بعد "تصبحين على خير"، لكنّها تعلم أنّها يجب أن تنام باكراً إن ما زالت ترغب في أن تكبر سريعاً.
نامت على جانبها الأيمن، ضمّت ركبتيها، وخبأت كفّيها بينهما، لكنّ روحها رفعتهما دعاءً كي يأتي الصباح بسرعةٍ وينتشلها من وحدتها تلك.
أنهت طقوس الدعاء والخوف والقلق، ثمّ تذكرت دكان جدتها. ذاك الدكان الغني، وتلك الجدة المحظوظة. كيف لشخص أن يحلم بأكثر من ذلك؟ أن يكون قادراً على شراء ما يريد دون أن يدفع.. أن يحتار بمَ سيبدأ صباحه، لا بمَ سيكتفي من أشكال السكاكر وأنواع الحلوى.. ثمّ ألم يكن الأولى بمن صنع هذه الجنّة أن لا يجعلها ممّا يؤذي الأسنان؟ ولمَ سلّم مفتاحها لهذه العجوز؟
أتُراها تعطيني إيّاها عندما أكبر؟ سأسمح لها بأخذ ما تريد متى تشاء.. عندها سيكون القرار لي.. ولن أمنع أحداً من الإسراف في تناول جدائل السّكّر، ولن أحضر إلى الدكان إلا الحجم الأكبر من علب العلكة وأكياس البطاطس والذرة المملحة.. وسأضاعف الكمّيات التي أحضِرها من أحذية السّكّر.. لكنّني ربّما سأحتفظ بعلب "السَّحبة" لنفسي.. يمكنكم أخذ بعض المفرقات من العيار الخفيف بدلاً منها.. أو إن كانت الدنيا عيداً، خذوا بعض الإكسسوارات الزهرية أو خرزاً أصفر لمسدساتكم السّلميّة..
ولكي تبتاعوا من عندي، لكم الشراء يومَ الجمعة مجاناً.. لكن.. لحظة.. أنت، أيها الصغير.. لا تفتح شموع البوظة تلك بهذه الطريقة.. لوّثت الأرض! تعال، سأقصّها لك.. خذ هذه المحرمة، أمسك البوظة بها وعد إلى بيتك..
لحظة لحظة، عُد. الاثنان من هذه ب250 ليرة، وأخذت ربطة خبز.. 1750..، يبقى لك 250 ليرة. الحمد لله، بعت ما لديّ من خبز اليوم.. بقيت تلك الربطة آخذها معي إلى البيت حين أنزل.
أحسّت الطفلة بدُوار. جلست مكان جدّتها على الكنبة، تحسست المسبحة بيدها، وبالأخرى أطفأت المذياع. دخل وقت صلاة العصر، عدّلت جلستها لتصلي، نظرت على الأرض، ستكنسها حالما تنتهي.. الدوار يشتد.. أحست بيدٍ تمتد إليها.. تهزّها..
استيقظت.
نظرت حولها.
لباس الطفولة خُلِع عنها..
وال250 لم تعد تبتاع لها الكثير.. امتلأت جيوبها بالمال، دون أن تبقى البركة.. نظرت إلى الباب فوجدته مفتوحاً، لم تعد تغلقه أمّها منذ كبرت، لأنها لن تحتاج الظلام كي تغفو بسرعة.. أبو كيس غادر أحلامها، وأحذية السكّر أصبحت نادرة على رفوف المحالّ.. كما أصبح من العيب أن تأكل مصاصة، ومن غير الأدب أن تأكل كيس البطاطس على حافة الحائط أمام الدكان.
نظرت حولها قليلاً، فعلمت أنها استعجلت طلوع الشمس حين لم تعلم أن الليل سيأخذ الجدة والدكان. أغمضت عينيها مجدداً لعلّ نظرها يعمى عن الواقع..
علّ أبو كيس يأخذها إلى حيث كان يأخذ الأولاد المشاغبين..
علّ زمن أحذية السّكّر يعود..
August 19, 2015