Oct 22, 2015

2:45 ب.ظ





ذَكَرتُ اليومَ فأرة رماديّة أصغر من قبضة كفّي، فاجأتني بزيارة السّنةَ الماضية.
كنت أستعدّ لصفِّ ما بعد الظّهر، ولمّا يتبقّى الكثير حتى يحين موعد انطلاقي إلى الجامعة. إلتففتُ حول الدَّرَج لأتناول حذائي وأغادر المنزل قبل أن تصل الحافلة فلا أتأخّرَ عليها، ثمّ فتحت باب الخزانة. لا أدري كيف حانت منّي التفاتةٌ إلى الزّاوية بجانبي، وإذ بها تقف مشرئبّة العنق تتطلّع إليّ. لحظاتٌ مرّت ونحن نحدّق ببعض، نفكّر –كِلانا- إن كان علينا الهروب! ثمّ قرّرَت الفأرة أن تتقدّم إلى الخزانة وتعتلي أحد الأحذية فتنظر إليّ بإمعان أكثر..
ما أعجب أمّي من الحادثة كلها كان إجابتي على "ماذا فعلتِ؟".. قلتُ لها أنّني لم أصرخ لأنّ أحداً لن يسمعني.. هذا عدا عن كوني مستعجلةً لاتّخاذ التدبير المناسب قبل أن أغادر.. بحثتُ عن شيء أرشّها به فتخرّ صريعة. ضحكَتْ وقالت: " أتوقّعتِ أن تجديها عندما تعودين؟!". في الواقع، نعم. توقّعت أن أجدها عندما أعود، ذاك لأنّني لم أُخِفْها.. فلمَ الهرب؟ لكنّني لم أجد ما أرشّ عليها فاكتفيتُ بإغلاق الخزانة وحبسها مع الأحذية تفترشها وتقرض ما أرادت منها ريثما يعود والداي ويحاسبانها على دخولها غير المشروع. ثمّ أحكمتُ إغلاق الخزانة بملعقة خشبية مددتها بين المقبضين، وعلّقت عليها ورقة تحذّر من فتح الخزانة لاحتوائها على الزّائرة الصغيرة.
المُهمّ في الموضوع ليس الفأرة، ولا كيف غادرت جثّتها المنزل، ولا حالة الاستنفار التي أحدَثَتها حتّى طُرِدَتْ، بل موقعُها في كلٍّ منّا. كتلةُ الجُبنِ التي تتملّكنّا.. الخوف الذي يسيطر علينا فيجعلنا نصرخ ونستجدي المساعدة حين تُلِمُّ بنا مصيبة، أو تكسر شوكَتنا حادثة.. لو أنّنا فكّرنا يوماً أنّنا وحيدون، ولن يسمع صراخنا أحد، ثمّ وضعنا كلّ حزنٍ نُصبَ أعيننا، وحدّقنا به إلى أن يهرب هوَ، لا نحن.. لو أغلقنا على كلّ اليأس الذي يحيط بنا باب الخزانة وحذّرنا الجميع من الإقتراب منه..
 الكلام لا يُجدي حين نقرؤه أو نسمعه لمجرّد أنّه صيغ بجماليّة في التّعبير.. الخطوة التّالية يجب أن تكون لحظة خلوةٍ مع النّفس نقارب فيها بين الواقع وبين ما يجب أن يكون، والقاعدة رقم واحد يجب أن تكون: "عندما تكون على يقين بأنّ أحداً لن يسمع صراخك، ستقوم بمواجهة الجبان الذي فيك". وحتّى ذلك اليوم، ستبقى تصرخ، وتستغيث، وتستجدي العونَ كلّما مرّت مصيبةٌ من بين قدميك.. أقصدُ فأرةً!
December 22, 2015