May 9, 2014

لا شيء كالوطن

كتبت في 30 أيلول 2013 لموقع الأسرة الفلسطينية


"مشردين عن الوطن
مبعدين عن أهالينا في غزة... عن أملاكنا في جنين
واحنا أبدا مش ناسيين... خير بلادنا ولا نايمين
وين المحبة؟ بدنا ندور عالمحبة وندورعالصداقة وعالإنسانية والأخلاق..
إذا ما مشيناش إيدينا في إيدين بعض وقلبي على قلبك، مش رح نرجع.."

قالها عزمي حماد-مخيم برج البراجنة-، وقلبه يعتصر أسى .. "عزمي"  تلخصت مطالبه في بعض القيم الإنسانية التي إن وجدت، لن يبقى له أي مطلب آخر، إذ أن الضمير الحي سيكفل حقه في العيش الكريم حتى مع كونه "لاجئاً" في لبنان.

الحق في العيش الكريم - جنوباً

الفلسطيني نظام موسى، شهيد لقمة العيش، هو قصة نوع آخر من البحث عن العيش الكريم. فنظام لم يبحث عن قيم، ولم يكن ليتجرع مرارة السؤال، فالتقط انفاسه الأخيرة في مكب النفايات في صيدا حيث كان يقضي معظم أوقاته في جمع المعادن والبلاستيك لتأمين قوت يومه. قضى نظام شهيداً بعد سقوط صخرة على رأسه نتيجة انهيار الجزء الغربي من المكب، ونقل جثة هامدة إلى مستشفى الهمشري في صيدا.

الحق في الموت الكريم - شمالاً

«اللهم لا تضيق علينا في القبر، كما ضاقت علينا بيوتنا في الدنيا»، هي العبارة التي كان يرددها أبو محمد السبعيني - مخيم نهر البارد -  قبل وفاته. أبو محمد، معاناة ذات عنوان آخر، تمثّلت في البحث عن الموت الكريم لا العيش الكريم.. فأبو محمد الذي لم يهنأ بالحياة الكريمة، حيث أمضاها على أبواب المؤسسات الدولية في محاولة لتأمين لقمة العيش، كتب له أن يدفن على باب المقبرة بسبب اكتظاظ هذه الأخيرة!  فهو لا أخذ حقه في سعة العيش، ولا في سعة الموت، ولم يبق له إلا الأمل في سعة الجنة...

إحصاءات الأنروا

وبين معاناة البحث عن اللقمة، ومعاناة البحث عن القبر، تأتي الأرقام والنظريات لتبرر وتعلل، وتحاول رسم خطوط هي أشبه بخيوط تترنّح باللاجئ بين الحياة والموت. وفي هذه المساحة الضيقة، يعاني 31% من اللاجئون بحسب إحصائية الأنروا من أمراض مزمنة. وبحسب إحصاء آخر، لا يستطيع أكثر من 60% من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات تامين الاحتياجات الغذائية لأسرهم.

وفي هذا السياق، ترى هدى سمرا، مديرة قسم الإعلام في وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأنروا" أن ثلاثة أسباب أساسية تؤثر سلباً على صحة الفلسطينيين في المخيمات وهي:
-ظروف السكن غير صحية
-الفقر المدقع
-العامل النفسي-الإحباط واليأس من الوصول إلى مستقبل أفضل.

نقدم ما نستطيع من مساعدات، ولكن...

وتقول هدى: "الأونروا تقدم ما تستطيع من مساعدات، ولكن عندما يتمكن اللاجئ من العمل ويكون لديه مدخول فذلك يخفف من الفقر. تخيلوا أن هناك عائلات مكونة من 5 أفراد تعيش بأقل من 100 دولار شهرياً!".

ولا يكفي اللاجئ التضييق في ظروف العمل وحق التملك التي تدفع به إلى ما دون مستوى الفقر، فتضيق به الغرفة التي يقطنها في أي من المخيمات، حيث لا تدخل أشعة الشمس معظم البيوت، وترتفع الرطوبة، وتنتشر الامراض الجلدية والتنفسية والربو.
وهكذا، يبقى في سباق مع نفسه للوصول إلى تلك الامنية ، التي يتقاسمها مع إخوته اللاجئين جنوباً وشمالاً، وإن كانت لدى كلّ منهم تحت مسمّى مختلف،..
"القيم" و"العيش الكريم" و"الموت الكريم".. لا يهم.. فالواقع يبقى كأساً مرة.. كأس اللجوء و"التشرد عن الوطن".. ولا شيء كالوطن..

حنان فرحات