Aug 9, 2017

بيت أبي


كنت جالسة إلى جانبها، أفكّر في يوم زرنا قريتها وأشارت إلى منزل على تلّة قائلة: هذا كان بيت أبي.

بيت أبيك؟ هكذا ببساطة؟ هل تجد الواحدة أعزّ عليها من بيت أبيها؟ البيت الذي يجمع الأشقاء حول "قرص جبن" و"طاسة زيت وزعتر" وحبات زيتون؟ أهو البيت ذاته التي وصفتِ لي كيف كان يتربع والدك فيه ويناديكم بصوتٍ كأنه أصوات عدة لتجلسوا في حلقة مغلقة تُحاصر أطباق الغداء؟ يقول : سمّوا بالله وإلا يُشاركنا الشيطان. كنتم كثرةً، ولا متّسع للشيطان كي يطلّ برأسه من بين أكتافكم، ولا وقت كافٍ كي يفتح ثغره قبل أن تنهوا الطعام.

قلتُ:
أمجنونة؟ كيف كان لك أن تتركي قريتك، وبيت والدك، وأشقاءك؟
أكان يكفي أن يكون الزوج عذراً؟
ألم تفكري أن الطريق الطويلة تلك لن تَذْرعها السيارات قبل ثلاثين سنة على أقل تقدير؟ كيف كانت تكفيك زيارة تقصدينهم فيها على ظهر الحمار لتعودي عند الغروب فتغسلي وتطبخي وتنظفي ما خَلّفت فلذات الأكباد؟
كيف تمرّين بهذه السهولة أمام كومة من ذكريات كأنها معلّقة أمامك بخيط يتدلى من السماء، لا أنتِ تطالينها ولا هي ترأف بك فتغيب؟

قلتِ:
يا حبيبة، بادئ الأمر يكون العشّ جدّاكِ. ثم يعِزّ عليك فراق بيت الأب، وبعدها يعِزّ على أولادك فراق بيتك، ثمّ يغدو في لمحةٍ حضنُكِ سَكَناً للأحفاد.
البيت ليس كومة حجارة، مهما أحببت تراصفها، والكحل بين حوافّها، والحلو والمرّ أمامها ومن خلفها وبين جنباتها.
البيتُ أرواح تألفينها، وأعمارٌ تمرّ أمامك فتذكرينها أو تنسينها، وأطياف تبقى معك، في قلبك، أينما اتّجهتِ وارتحلتِ.

سكتت الدمعة في عينها، ووقف الكلام عندما أمسكت يدي فجأة. قالت بصوت مبحوح: كفّكِ بارد، اقتربي من المدفأة.

_____
حديث مع جدتي أم جمال رحمها الله، أطال المكوث فيّ وآن له أن يخرج ❤
_____
حنان فرحات  |  ٢.١٧