في المرة الماضية قلتَ لي إنك متشوق لقراءة هذا الكتاب. واليوم أكمل عنك المهمة.
تبدو مهمة شاقة أن تمسك قلم شخص يكمن جل شغفه بالقراءة في رسم خطوط تحت
الجمل التي يحب، ودوائر حول الأفكار التي تلفت انتباهه، في حين لا أقوى على
طيّ زاوية الصفحة لترك علامة حيث بالقراءة وصلتُ.
قرأتُ المقدمة،
ثم الإهداء. هل كان سيعجبك أن يكون الكلام موجهاً لأنثى؟ إن كان ذا،
فلتشتعل فيَّ نار الغيرة من قارئة تتخيلها أنت، ولأغلق دفة الكتاب بعنف ولا
أعودَ إليه.. أم كنت ستقول إن أحداً لا يكتب لأنثى إلا حين تتقطع
به سبل الكلام فيكون جباناً أخرساً لا حيلة له إلا غير المنطوق فيُثبت فوق
كلماته بعضاً من روحه ويغلق عليها الصفحات تباعاً حتى تُكوى فتعود من غير
ندبات؟
كتبتُ علامة استفهام إلى جانبه لأعود، أليس هذا ما كنت ستفعله؟ أن تمنح لأفكارك المتلاطمة فرصة أخرى علّها تصلُ واضحةً نقية؟
السطر الأول كان مشبعاً بالقليل من كل شيء. كلمات قليلة كانت لتجعلك تلتفت
إلي وتقول: "يا سلمى، صُحبة هذا الكتاب تنقصها جرعة من الكافيين"، فتحس
برائحة الشوكولا الساخن تنسلّ إلى منخريك قبل أن يصل إلى ناظريك. تعلم أنني
فهمت أنك تريد القهوة، وأعلم أنك ترضخ لخياري طالما أن الهدف نُفِّذ
"حرفياً".
ماذا عني الآن؟ أأطلب من نفسي فنجان قهوة أم أبدل طلبك إلى الكاكاو، وكلاهما أصله حبّة داكنة تنحدر منها مرارةٌ كَبُعدِك؟
ما علينا.. المهم الآن أنني سأكمل تنفيذ الوصية.. السطر الثالث مَرّ
كالثاني، ابتلاعاً من غير مضغ. والرابع والخامس تبخّرا في مخيلتي، فأصبحت
الكلمات من بعدهما أفكاراً تخلع رداء الحرف وتطفو على وجه الصفحات.. كان
صعباً على قلم لم يعتد على غير صاحبه أن يقيّد كلمات تُقرأ من قِبَل آخر..
فكان الحلّ أن ترتفع أناملي إلى زاوية الصفحة، وبغصّة من يلجأ لأهون
الأمرّين وألطف النّارَين، أقدمتُ على طي طرفها، حتى، إن كنتُ أقدمت على
الخيانة بوقف تنفيذ الوصية، أن أقوم بها على الوجه الذي ترتئيه.. أنت.
حنان فرحات || حزيران 2017