Sep 7, 2011

أقسى عتاب

في زيارتي لطفولتي بين الحين والآخر، ألمح ذلك الوجه النّقيّ...و وجه أَلِفتُ قسماتِه، فلطالما أعنت النّظر إليه..العم أبو علي...كان البائع في دكان المدرسة...أحبّ الأطفال جميعاً،...وكان له مكانة خاصّة لديهم. لم يطل العهد ب"أبو علي" هناك، فقد غادر المدرسة ليجد عملاً آخر...وبقي الدكان.
مرّت الأيام...وكبر الأطفال...أما ذكرى "العم أبو علي" فقد اختبأت خلف جدران النسيان...
وتساقطت سنةً بعد سنةٍ أوراق من أعمارنا...وإذ بصورته ترتسم أمامي في يوم من الأيام...اشتقت إليه...كنت أقول في نفسي علّني أراه...وشاءت الأقدار أن يصل خبر وفاته بعد أيام، رحمه الله... بكيته ركناً من أركان طفواتي، وزازية من زوايا حياتي.... حينها، لم يَعُد لي أن أتمنى رؤيته...
مضت سنتان منذ ذلك الحين،...جلست أتصفّح كتاب "الروح" ل"ابن قيم الجوزية"...قرأت في صفحاته عن رؤى بعض الصالحين لبعض الأموات في منامهم...فغدوت أصبح وأمسي على الدعاء للأموات من أهلي وأحبابي...ونسيت "العم أبو علي"...
وذات ليلة...رأيت نفسي في ما يرى النائم أنني أزور مدرستي، قاصدةً دكانها لأسلّم على "أم علي"...وإذ بها تهرع إلى "أبو علي" قائلةً:"ها قد جاءت حنان، ألم تكن تسأل عنها؟"!فسلّمت عليه وابتسمت، إلا أنه نظر إلي مستغرباً. قلت:" ألم تعرفني؟؟"، قال:"لقد تغيرت كثيراً..."...وانتهى احلم...استيقظت فرحة جدّاً برؤياي...لقد رأيته أخيراً!!
أمضيت ذلك الصباح وأنا أفكر بما قد يعنيه ذلك الحلم...وانقلبت فرحتي دموعاً...لقد عاتبني أبو علي على نسياني له...وقد كان أقسى عتاب...
لذا أراني أكتب هذه الكلمات، ليدعو كل قرائها ل"العم أبو علي" بالرحمة...
رحمك الله واعمّااه...وأدخلك فسيح جناته
حنان فرحات
7-9-2011