Nov 1, 2024

أنا بخير ولكن..

أنا بخير، ولكن..



ألو،

أنا بخير، ولكن..

نافذتي المشرفة على البحر صارت جزءاً من البحر،

وغرفتي التي يجتاحها الصخب نامت أخيراً،

وفستاني المفضل أصبح فستاني الوحيد..



أنا بخير، ولكن..

أخي وعيناه اللتان بلون القهوة صاروا رماداً،

ودراجته التي ودّ لو يزور بها أحلامه صارت حطاماً،

ولم يبق منه إلا حذاء أنتعله على عجل في طريقي إلى الذكريات..



أنا بخير،

ولكنّ أختي، 

التي صففت شعرها الأسود العادي،

ورصفت كلماتها بعناية على دفترها المدرسي،

وسألتني كلما لاح في عيني الحزن، لمَ أبكي،

بصوت أمّ،

بعثر الموت شعرها قبل أن تضيع خصلاته بين الركام..



أنا بخير ولكن،

قطتي التي لم يحبها أحد،

وأصيص وردتي التي لم تعش،

وكرّاسة أهدافي اليومية، 

كلها بقيت في "البارحة"،

حيث يمكن للأشياء العادية أن تكون..




أنا بخير ولكن،

لم يعد الماء ماءًا..

ولم يبقَ لي جدارٌ أتكئ عليه،

وكل الأكتاف ملّت البكاء...

أنا بخير ولكن، 

هل أستطيع ألا أكون بخير؟




حنان فرحات | بيروت

١ ت٢ ٢٠٢٤

Oct 24, 2024

أغلقي الباب

أغلقي الباب وراءك،
شرّعي باب الحنين،
افتحي للبُعد قلبك،
وامسِكي عنكِ الأنين..

اقبضي الجرحَ، 
عَهِدتُك،
ليس تؤذيك الخطوب..
ما لدمعٍ يستقرّ،
بينَ هرمل والجنوب؟

ما لقلبٍ لم يبالي،
حين رقّعه الطبيب...
ضاق فيه الكون لمّا..
ضامه بعدُ الحبيب..

ما لروحٍ لم تعاني،
من بعادٍ في رخاء..
تشفقُ اليوم على جدران بيتٍ من جفاء..

ما لحرفك،
أسكتته الضائمات الجائرات..
بين سطريه قذيفة،
هل يهاب الطائرات؟

ما لتفصيلٍ يعادل
نقطةً في بحر همّ..
يصبح اليوم قضيّة، 
يسأل كيفَ ومن..؟

حنان| شحيم
٢٤ ت١ ٢٠٢٤

Oct 11, 2024

نص في غير موعده

انتظرتك يا أيلول صيفاً كاملاً، ألهبَتْ شمسه قلبي... أنا التي لم أميّز يوماً بين الألوان أو الفصول أو الأشياء، قررت هذا العام أن الخريف أجمل في بيروت. فهل ألطف من نسمة تداعب وجهي فيما يصفع الصقيع والحرّ خدّي غالب أيام السنة؟

ولما جئت يا أيلول، ملأت أوراقي بالمخططات والمواعيد... وصرت أركض أسابق الوقت، وإذ بك تغادر قبل أن أنهي ما بدأت. 
لم تنته القصة، ولم تتحقق الأهداف، وصار البال مشغولاً بأشياء كثيرة جدا، لا يتقاطع أي منها مع أيامنا في الماضي القريب. 

هل أحبك بعدما تعذر اللقاء؟ أم أشتهي منظر الشجرة الذي اعتادته عيني من نافذة المطبخ، مصفرة أوراقها لأيام قليلة؟
لم أكفر يوماً بالروتين، ولم أتأفف مرةً من العادة، ولم أنس يوماً أن السقف الذي يظلل رؤوسنا، والجدران التي تعانق قلوبنا، والغرف التي تختزن ذكرياتنا، هي نعمة كبيرة لا تقدر بثمن... ومع ذلك كله، أصابتنا الفُرقة..

ولو أنك يا أيلولَ المدينة غيرُ أيلول الذي اعتدتُ طوال خمس وعشرين سنة، لكنني ألِفتك، وتواطئت معك على فرح مستتر، وأحببتك كما لو أنني أعرف الفصول لأول مرة..

وها أنت ذا ودعتنا على عجل، وجاءت رسالتي إليك متأخرة، لا أعرف أأحمّلها في طياتها الشوق أو العتاب.. ولكنني إذ أكتب لك، أدرك أنني قد كبرت.. صارت لي تفضيلاتي الواضحة بعيداً عن المجاملات.. وصرت أنت موعداً لا يُضرب بمحض الصدفة.. 

إلى لقاء آخر إذا كَتب الله لنا عمراً..

حنان فرحات | شحيم، ١١ ت١ ٢٠٢٤

Sep 27, 2024

شِعرٌ للبيع

من يشتري شِعراً،
أبدّله، 
بمصباح،
يضيء الدرب للهرب،
فأمسح قلبي المكلوم،
وأمشي.. دونما تعب..

من يشتري أدباً،
أوضّبه،
على عجلٍ،
وأحمل حبي المجنون،
والموزون، 
بأكياس، 
على رمشٍ، 
على الهُدب..

فما الداعي؟
وأين الحاجة العظمى،
لموهبةٍ،
وكلّ العمرِ والأحلام، أحملها،
فتخرق كيسيَ الأشظاء، 
وتسرقها على مهل..

أتكفي،
جملةٌ ثكلى؟ بلا معنى؟ 
بلا صوتٍ، 
بلا لونٍ، 
بلا حبرٍ،
أصفّفها،
على كفنٍ، بلا قُبَلِ؟

أيكفي الحبر، في قلمٍ،
بلا لقبٍ،
يرصّ الحرف تلو الحرف،
بهتاناً، بلا كلل..

وأين شجاعة الفرسان،
ممن يكتب الخبر،
"شهيدٌ بيننا انطلق.. 
إلى عليائه، ومضى..
شهيدٌ آخرٌ معه،
وآخر لم يُطق صبراً"

وأين الاسم من هذا؟
وهل ذا يصبح "السّبَقَ"؟
على نشراتِ أخبارٍ،
تُسائل رفقةً وصحاب،
عن الميت الذي "رُزِقَ"..

خذوا الأدب،
خذوا شِعري..
فقد جفّت معاني العُرب،
خذوا مني،
خذوا عني،
فهذا الكفّ قد تعب..

حنان | بيروت | ٢٨ أيلول ٢٠٢٤

Feb 29, 2024

رطب شفاهك

غمس رغيفك بالدم
رطب شفاهك، يا فمي

أغمض عيونك لا ترَ،
ضوءُ المحاجر قد عمي...

أنثر طحينك في الثرى،
أشبع نسور المَطعَم،

ما جاع شعبٌ، ارتقى
لو بات ليلاً يألَمِ...

شعب يسير إلى السما،
يكوي الجراح، ويلعنِ...

من يرتجيه لهدنة، 
أو فرصةٍ،
أو يفتديه بمرهمٍ،
أو يستعيض ببلسم..

رطب شفاهك، بالدم،
شعب الأباة لا ينحني،

هم عزة، 
في غزة.
من أنت يا، كي ينحني!

حنان فرحات
٢٩ شباط ٢٠٢٤ | 11.33 pm

Jan 5, 2024

عمي جميل، الجميل، إلى رحمة الله

 

في الخطوب تكثر أشكال الحزن ونكهاته، ولا يسلم أحد من مقدارٍ كتبه الله عليه.
وقد يكتب الله على أحدنا الدمع، فيهمي وافراً حتى ليظن المرء أن نهراً يتشكل، وقد يجفّ حتى ليظن المرء أن منابعهما تصحّرت، وفي كلتا الحالتين يتحوّل المحجران صخراً، ففي ذاته القسوة ومن شقّه الماء..
 
ولكم وددت لو أن لي دمعاً يكفي بقدْر الحزن، أو على الأقل، بقدْر الحبّ. ولعلي أستطيع استبدالها بالكلمات والذكريات، أرصفها في عقلي مذ استوطن المرض جسد الحنون.. لكن كيف لها أن تستقيم في اعوجاج الغياب؟ وأي ورق ذاك الذي يُنصف رجلاً كان ينظم بين النفس والآخر قصيدة؟ 
 
وليس نظم الشّعر فخراً لولا أنه يصيب المعاني في معاقلها، وليست مجالسة الأحباء زهواً لولا أنها تعمر اللسان بذكر الله تعالى، وتعمر القلب وتنعش الروح..
لم يكن عمّي أقوى الرجال، ولكنّه كان من أحنّهم،
ولم يكن أكثرهم مالاً، ولكنّه كان من أكرمهم،
ولم يكن أكثرهم علماً، ولكنّه كان من أفصحهم،
ولم يكن أعلمهم بالدين، ولكن حسبنا أنّه كان يعمل بما يعلم، ويطلب الحُجّة، ويقيم البرهان.
كانت له ضحكة جميلة، تنتشر عدواها متى بدت،
وكان يزين حديثَه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما نُقل عنه من سنن وأحاديث،
وكان لنا نصيب من أبيات شِعره التي تؤنس الفؤاد، حتى أواخر أيامه، حيث أنهك المرض جسده ولكن لم يُنقِص حبّه ومودّته..
 
ومهما كان نصيبنا منه في الدنيا، فإن الطمع في لقاء الآخرة، حيث لا فراق ولا شوق ولا أحزان..
إلى ذلك الحين، نسأل الله أن يرزقه درجة الأولياء والصالحين، ويغفر ذنوبه وزلّاته، ويجمعه بمن يحب ونحب ممن سبقنا إلى جوار الله عز وجل، ويستقبلَه بعفوه وكرمه في جنة عدن حيث لا سقم ولا تعب ولا همّ ولا حزن..
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى 
 
إنا لله وإنا إليه راجعون
 
عمي جميل (أبو أحمد) في ذمة الله
٥ ك٢ 2024