Jan 5, 2024

عمي جميل، الجميل، إلى رحمة الله

 

في الخطوب تكثر أشكال الحزن ونكهاته، ولا يسلم أحد من مقدارٍ كتبه الله عليه.
وقد يكتب الله على أحدنا الدمع، فيهمي وافراً حتى ليظن المرء أن نهراً يتشكل، وقد يجفّ حتى ليظن المرء أن منابعهما تصحّرت، وفي كلتا الحالتين يتحوّل المحجران صخراً، ففي ذاته القسوة ومن شقّه الماء..
 
ولكم وددت لو أن لي دمعاً يكفي بقدْر الحزن، أو على الأقل، بقدْر الحبّ. ولعلي أستطيع استبدالها بالكلمات والذكريات، أرصفها في عقلي مذ استوطن المرض جسد الحنون.. لكن كيف لها أن تستقيم في اعوجاج الغياب؟ وأي ورق ذاك الذي يُنصف رجلاً كان ينظم بين النفس والآخر قصيدة؟ 
 
وليس نظم الشّعر فخراً لولا أنه يصيب المعاني في معاقلها، وليست مجالسة الأحباء زهواً لولا أنها تعمر اللسان بذكر الله تعالى، وتعمر القلب وتنعش الروح..
لم يكن عمّي أقوى الرجال، ولكنّه كان من أحنّهم،
ولم يكن أكثرهم مالاً، ولكنّه كان من أكرمهم،
ولم يكن أكثرهم علماً، ولكنّه كان من أفصحهم،
ولم يكن أعلمهم بالدين، ولكن حسبنا أنّه كان يعمل بما يعلم، ويطلب الحُجّة، ويقيم البرهان.
كانت له ضحكة جميلة، تنتشر عدواها متى بدت،
وكان يزين حديثَه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما نُقل عنه من سنن وأحاديث،
وكان لنا نصيب من أبيات شِعره التي تؤنس الفؤاد، حتى أواخر أيامه، حيث أنهك المرض جسده ولكن لم يُنقِص حبّه ومودّته..
 
ومهما كان نصيبنا منه في الدنيا، فإن الطمع في لقاء الآخرة، حيث لا فراق ولا شوق ولا أحزان..
إلى ذلك الحين، نسأل الله أن يرزقه درجة الأولياء والصالحين، ويغفر ذنوبه وزلّاته، ويجمعه بمن يحب ونحب ممن سبقنا إلى جوار الله عز وجل، ويستقبلَه بعفوه وكرمه في جنة عدن حيث لا سقم ولا تعب ولا همّ ولا حزن..
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى 
 
إنا لله وإنا إليه راجعون
 
عمي جميل (أبو أحمد) في ذمة الله
٥ ك٢ 2024