Nov 15, 2021

في مديح الجمال

يمكن للجمال أن يكون أخضر العينين، أشقر الغرّة، واسع الجبين، ذا غمّازتين يهتف لهما القلب. أو ناعم الشعر كالفرس، أبيض السحنة كالثلج، بنّي القزحيّة كجذع شجرة معمّرة. يمكنه أن يكون ممتلئاً كغيمة ماطرة، أو ضئيلاً كنسمة في ربيع، أسمرَ كالقهوة، أو أحمرَ كالشّاي. قد يتكلم العربية ببراعة النحويين، أو أجنبياً كمدرّس في هارفرد، أو شرق آسيويٍ لا تفهم معانيه لكن تلفتك منحدرات منطوقه.

وبالرغم من أثوابه العديدة، لطالما استفزّني حبس الجمال في ملامح أو تأطيره في تعريفات مجرّدة، فهو توحّد ألوان مرة، واختلاطها مرات أخرى، هو فصول عديدة، ومناخات أكثر، ونساء ورجالات، صغار وعجائز، بيوت وزوايا وصور وذكريات ولحظات انبثاق وانصهار وانسياقٍ.. 

أحزن حين يُصار إلى مديح الأشخاص بحُسنِ ملامحهم، أو حتى الإثناء على أيّ من خصالهم ما لم يكن لهم جهد مبذول في سبيل تحقيقها. فالمدح والحمد والشكر هنا للخالق، لا المخلوق الذي لا فضل له ولا منّة في نحت آيات الجمال.

ولو أمعنّا النظر في المسألة لوجدنا أن حبّنا لبعض الأشخاص لم يكن لينقص أو يزيد لو أن أشكالهم تبدّلت، أو ملامحهم شاخت. بل بالعكس تماماً، كنّا سنحبهم أكثر كلّما تعتّقت وجناتهم وغارت عيونهم وتجعدت أكفّهم (قد يفسّر هذا الأمر حبّنا للجدّات حبّاً لا متناهياً).

أما في الحالات المعاكسة، حيث نهتم لأمر شخص ما بسبب انجذاب فيزيولوجي بحت، فإن ذلك الإعجاب يضمحل عند أوّل تضارب مصالحٍ أو سوء معاملة، وتصبح "فلقة القمر" بدراً آفلاً، لا يهم حضوره مرّة في الشهر طالما أنه يغيب كل النهار ومعظم الليال. أمّا إن رافقه حسن المعشر وجميل المنطق فتلك ركيزةٌ متينة لعمارة العمر.

بذرة الجمال تستقرّ في إناء قرب القلب تماماً، تزرعها صلة قربى أو موقف غير عابرٍ أو إعجاب بملامح في مرّات قليلة، لكنّها لا تنبت إلا بالعِشرة والصّبر وبذل الحب. قد تورق بابتسامة، لكن ابتسامة لا تكفي لمواجهة الشتاء. بل إن كأس شاي دافئ في ليلة ماطرة قد يجعل زهرها يتفتح متعارضاً مع قوانين الطبيعة. 

لذا فإنك ستكون أجمل في نظري –وقد لا يهمك ذلك أصلاً-، حين تمدح محبوبك بالخصال التي يجهد في تنميتها والحفاظ عليها؛ في بشاشته، تفانيه، صدقه، سعيه الدؤوب لتحقيق أهدافه، دعمه لك، إيمانه بنفسه وبك، وغير ذلك مما يستكشف المحب ويألف.

ليكن مديح الجمال مديحاً للجمال المكتسب بالطرق المشروعة، لأنه يزيده وينميه، لا للملامح التي تختلف باختلاف الناظر إليها، وتتغير بفعل الزمن وحوادثه، وتنهار عند أول منعطف، وتزداد كِبراً بالغزل فيكون له تبراً.

حنان فرحات ¦ ت١، ٢٠٢١
بيروت