لطالما كان جوابنا لأهالينا عن سؤالهم باستنكار: "من أين لك هذا؟"، "من جدتي".
كلمتان تجعلان المال الفائض في جيوبنا شرعياً، وتنقلاننا إلى المرحلة الثانية من الاستجواب: "لم قبلتم أن تأخذوه منها؟"، وحين لا يجدون جواباً ستكون خاتمة الحديث : "هل شكرتموها؟".
مسكين من لم يذق طعم الألف المدسوسة خفية في يده مع غمزة. لا مجال للشكر حيث ان القصة عملية تهريب متفق عليها، ولا مجاملات بين الشركاء :) تجلس بعد ذلك مبتسماً دافئ الجيب، لتستكمل الدلال بملء المعدة. كل ما لذ وطاب واستغرق وقتاً وجهداً للاعداد يكون جاهزاً حين تطل من الباب. كبة العيد، وحصتك المحفوظة "من غير لحم او بصل" كما تحبها تماماً، وبوظة الصيف المدقوقة المعجونة من حصاد الشجيرات حول منزلها، كان توتاً أو لوزاً بالحليب. وبين هذا وذاك، تحتار ماذا تفضل من بين يديها، فكل ما تعدّه بركة، وكل ما تعطيكَ اياه عسل.
ولما تفرغ من ذا وذاك، تجدها تمسك رجلكَ الصغيرة لتتأكد من حرارتها شتاء ثم تغيب لتعود إليك بجورب من الصوف "يقتل البرد. وقُبلة الجبين مقياس للحرارة لما تمرض، فهي الممرضة والطبيبة، تضرب الإبرة وتصف لك الحساء الساخن وكمادات الأعشاب للرضّات والتشنجات.
وهي الأم في غياب الأم، والصديقة في قربها، والمعطف في البرد، والنسيم في الحر.
وحين تغيب الجدات، يقف الوقت وتأخذ السعادة فاصلاً طويلاُ.
لعلّ تلك حكمة الكون، كلما نقص جدة، أصبحت ابنتها جدة. فيظل العالم متوازناً، فيه من يناول الحلوى، ويدس الألف باليد، ويدفئ القلب في روعه، ويصلي ركعتين كلما حل الليل، تبقى حارستين لك ما دام في قلبها نبض.
حنان فرحات
الرفيد ١٣/١٠/٢٠١٩