Dec 19, 2017

ثنائية | نور الهدى عطوي - حنان فرحات

ح:

مررتِ بخاطري اليوم بعد إذ ظننتكِ رحلتِ، كان وجهك دائرياً أكثر من أي وقت مضى، لكن النسيان أكلَ منه ما تيسّر له. لم يُبقِ إلا خيالات، وما نفع الخيالات؟

ن:

يقال إنك لن تستطيع التوقف عن التفكير بشخص ما، إلا إذا توقف هو عن التفكير بك.. أتراك تفكرين بي الآن، أترى ما زلت تذكرينني وكل تلك الأيام التي نسجناها سويا؟! كل تلك الأيام التي ترفض الذاكرة أن تقتلعها، وتلقيها في دائرة النسيان..

ح:

هل يبقى ظلٌّ بعد أن يغيب الجسد من حيّز الذاكرة؟
لقد تعاهدنا ألا تفرقنا المسافات، ولكن عقارب الساعة لدغتنا بالمشاغل فلم نَفِ بالوعد.

ن:

قلتِ لي يوماً إن للوقت والمسافة جانبين أسوَدين.. إن باستطاعتهما تحويل أسعد الذكريات الى أطياف حزن تطاردنا مهما حاولنا الهرب.. تقتحم أعماق القلب غارسة سوداويتها في  أكثر ذكرياتنا جمالا، محوّلةً كل ما كان يوماً بهجةً إلى ألم يعتصرنا ولا يترك لنا خيارا إلا النسيان.. وما من سبيل للنسيان..

ح:

قلتُ لك يوماً إن للوقت والمسافة جانبين أسودين. قلت لك سيغرزان في أكُفّنا حُجّة الافتراق، وفي آذاننا صمماً عن الحقيقة، لكنك قلتِ لا.
أتراكِ الآن صدّقتني بعد إذ أصبحت أريد تصديقك؟
لا أريد صباحاً تبقى فيه صورتك نائمة، فليكن الوفاء، كما الحبُّ، صامداً في زمن الحرب!

ن:

أتعلمين..أكثر ما أشتاق إليه الآن هو تلك الجلسات التي كنا نقضيها في حوش جدتك ذي البلاط المزخرف والنافورة الزرقاء التي كانت تتوسطه باثّة فيه الحياة.. تلك الجلسات التي كنا نخرج فيها من إطار المادة والحياة اليومية ناسجتين أحاديثَ لن يفهمها سوانا..
كخوفك من الوقت والمسافة..وخوفي من النسيان..
أكنا نعلم حينها أن كل تلك الأفكار ستترجم واقعا يوما ما!
أن كل تلك المخاوف ستغزونا محتلةً كما غزت الحرب الحوش، والدار .. واحتل البؤس الوطن!!

ح:

في دار جدتي، سكبتُ في حضنكِ ما بقلبي.
لطالما كفرتُ بالرسائل، وآمنت بالكلمات. أما الآن، ولم يَعُد لساني يُسعفني، فأين ساعي البريد؟
هل اخترقت شظية خاصرته كما اخترق خاصرتنا الغياب؟ مَن للمكاتيب إذ رحل؟ ومن يوصل أوجاعنا قبل أن تكويَنا لوعةُ المفردات..

ن:

لم تعد الكلمات تجد معبرا لها، منذ اغلقت المعابر للحوش، للدار، لك..للوطن.
تبقى حبيسة داخلي تسكنني وآلاف اطياف الذكرى..
هي ايضا في غربة، كل تلك الكلمات التي لم تعد تجد لها اذنا تعبر بها اسوار القلب،لتستوطن روحا تفهمها..
غربة فوق غربة،ولوعة فوقة لوعة..
وما من سبيل..
ما من سبيل، للنسيان..للدار..لك..وللوطن!!

ح:

صديقتي، بسمتي في حضوركِ والغياب، لهفتي عليك هي ذاتُها كلّما يمّمت قلبي تجاهك. سأستعير منك ثقتك بصداقتنا، وأدعو الله ألا يأخذ النسيان منك إلا حديثي عنه.
كلما طال بيننا البُعدُ وقاربتُ على فقدانك أيقنتُ أنّ النسيان مرض، فأعوذ بالله منه ومن حربٍ لم تُبقِ على شيء من قصّتنا إلا بضع سطور وخيبات.

حنان فرحات | نور الهدى عطوي | ٢٠١٧