لطالما نظرتُ إلى حفنةٍ من الأمثال الشّعبيّة على أنّها موروث الجَهل،
خصوصاً ما يستهدفنا منها، نحن الإناث. ومن هذه القِلّةِ التي لا أُحبّذ عادةً
تداولها: "النسوان مثل الزيتون، ما بيِحلوا إلا بالرَّصّ". فحبّة الزيتون حين
تُدقّ على رأسها تفتَحُ لها مُتنَفّساً كي تتسرّب مرارتها إلى منقوع الماء فيَحلوَ
طعمُها.. وكذا النساءُ بزعمِ المَثَل الشعبيّ ذا. لكنّني، صدِّق عزيزي القارئ، لا
أكتُب هذا المقال بصَدَد الانسحاب من الفئة التي يشملُها وجوب "الرّصّ"
ولا كي أبرّئ النّساء من هذه الضّرورة.. بل أكتُبُ مطالِبَةً بحقّ الرّجال في
الانضمام إلى فريق "المرصوصين" كي "يَحلوا".
خلال دراستي الجامعية، عُرِفتُ بين أصدقائي بكثرة المشاغل، فأنا المُعرقِل كلّما أرادوا القيام بنشاط ما أو زيارة. وكنتُ أرُدّ
على سؤال: "متى تكونين مُتفرّغة من أعمالك" ب "لا أكون مُتفرّغة
أبداً، لكنني أستطيع إيجاد فسحةٍ من الوقت إن حددتم لي الزمان الذي يناسبكم".
ولا أدّعي أنّني كنتُ مُستثمرةً وقتي بشكل مثاليّ، لكنّ محاولاتي الدائمة كانت
تهدف إلى تكريس ساعة الاستراحة للراحة ولا شيء غير الراحة، فيما ساعة العمل وَجَب
اخِتتامها بالإنجاز. وكانَ ملازماً لي -غالباً- دفتر صغير يحتوي على خطة قصيرة الأمد،
تُوزّع مهام الأسبوع على أيّامه.
ثم حين فُرِجت، واتّسع الوقت، وتقلّصت المهامّ والواجبات الدراسية،
انحلّ عِقدُ البرامج الدقيقة، وإن صودِف أن وضعتُ برنامجاً فلا ألتزم به. وبينما
أفكّر بأصل المشكلة علّني أجد الحلّ، مرّ بِبَالي مَثَلُ النساء والزيتون..
وكأنّني استيقظت فجأة على الحقيقة المُرّة: أنا زيتونة. ففي فترة الضّغط كان كلّ
شيء ينتهي قبل موعده بأربعٍ وعشرين ساعة، وإن لا، فقبل اثني عشرة ساعة على أقل
تقدير. لكن التأجيل والمماطلة كانا واقفين على عتبة فصلِ الصيف يلوّحان لي بأيديهما،
وإلى جانبهما واقفٌ الاختبار النّهائي لآخر مادة سأُمتَحَنُ فيها. وعِوضاً عن
إنهاء استعدادي للاختبار قبل يومٍ منه، قرّرتُ أن ساعتين من الدراسة قبله مباشرة تكفيان. كانت تلك بداية القصة وتلخيصاً لها. يجب أن أكون
في زحمة مهام حتى أُنجِز.
لكن هل يجب فعلاً على الجميع أن يعملوا تحت
الضّغط حتى يُنجِزوا؟ وإن لم يكونوا تحتَ الضغط فهل يؤثّر ذلك على فعاليتهم؟
الواقع أنّ نتيجة الأمر تتباين بين شخصٍ وآخر، ومهمّة معرفة الظروف الأنسب لكل
فردٍ موكلة إليه. في محاولة لتفسير ذلك، نجد أن كثيراً من الدراسات تناولت العمل
تحت الضغط، وبعضها ربط بين ذلك والنّجاح. لكنّ أمراً لفَتَ نظري في المسألة هذه،
وهو أنّ ردود فِعْلِ النّاس تجاه
الضغط قد تقلِبُ الموازين، فإن تعاملوا مع "الدّقّ" بإيجابية تزولُ
مرارة صبرِهم ويتحوّل عملهم إلى حلاوة الإنجاز.
يقول "مارتن ترنر" مؤلّف كتاب What Business can learn from sport psychology: ten lessons
for peak professional performance أن الاستجابة الأولية للإجهاد (أو العمل
تحت الضغط) تحدث دون وعي وتلقائياً على أساس تقييمنا السريع الأولي للوضع. فبعض
الناس قادرون على الاستجابة بطريقة تساعد أداءهم، بحيث ينظرون إلى العمل كنوع من
التحدي. ولكن في المقابل، يدخل أشخاص آخرون في حالة تهديد، مما يعيق أداءهم.
وتعكس حالة التحدي عقلية إيجابية لحالات الضغط حيث تستجيب مواردنا العقلية لمطالب الوضع. أما حالة التهديد فمثالٌ عليها من يُكرّر على الدوام أنه "لن يخفق" أو "لن يفشل" أو "لن يخسر"، فيما يترك فعلياً في داخله زعزعة حول قدرته على تحقيق الهدف.
وتعكس حالة التحدي عقلية إيجابية لحالات الضغط حيث تستجيب مواردنا العقلية لمطالب الوضع. أما حالة التهديد فمثالٌ عليها من يُكرّر على الدوام أنه "لن يخفق" أو "لن يفشل" أو "لن يخسر"، فيما يترك فعلياً في داخله زعزعة حول قدرته على تحقيق الهدف.
خلاصة الأمر أنّ طول قائمة المسؤوليات والمهام أمر إيجابي إن اختار
الشخص ذلك. ولا أقصد بطولها أن تكون مفرطة الطّول بحيث تؤدي إلى الإجهاد الحادّ (acute stress) ، ذلك لأنّ "لنفسك عليك حقاً" كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم. والتجاوب الإيجابي مع واقع استحالة التهرب من "الدقّ" فوق رأسك،
فصَبّر نفسك بالحال الذي ستؤول إليه. وإن لم تقطف أنت ثمار عملك، فبالتأكيد سينتفع
بها أحدٌ يوماً ما.. كأن يُؤكَل الزيتون ويُستساغ طعمه!
29-3-2017