يوم رفضتُ أن أنادى بالكاتبة، قيل لي : إقرأي هذا
المقال.. ليس هناك سنّ محدّد ليصبح المرء كاتباً، ولا غرور في اللقب.. لكن إحرصي
على الصّفة التي تلازمه. لا تكوني كاتبة. كوني كاتبة جيّدة.
لكنّ الصّفة المتلازمة تحتاج وقتاً كي تثبت جدارتها.
وقبل ذلك، تحتاج جنون اللحظة الأولى. والجنون يعني أن تَعرف حجم المخاطرة التي
تخوض غمارها، ثمّ تُقدِم عليها دون أن تحسب حساباً للنتائج.
نحن نقضي أعمارنا نتعلّم كيف نرسم طريقنا.. نضع الخطط
البديلة، و نقيس مدى الخطورة.. نتوقّع أسوأ الإحتمالات حتّى أنّنا نضيع بهجة
الأشياء. يفوتنا أنّ المشاعر والمبادرات القيّمة تكون وليدة اللحظة. لا مقياسَ
يقيّدها بسقفٍ عالٍ ولا بحدِّ انخفاض. يفوتنا أنّنا، حين نُقدم على ما يستحيل على
عاقل أن يفكّر به، نكون على قدرٍ عالٍ من التسامح مع الذّات.
حين تنتابنا
نوبة جنون، ونعلم أنّنا سنُتّهم بالغباء حين نشي بسرّنا لأحدهم، ثمّ نُقدِم على ما
نريد بإصرارٍ يعني أننا نسمح لعقلنا الباطن أن يُخرج ما فيه دون أن تدفعه النصائح
إلى الهاوية.
لذا، فإنّني في هذه اللحظة المجنونة، أوجّه رسالةً إلى
كومةٍ باردةٍ من الأوراق. أعلم أنّ القلم الذي يختبئ تحتك ينعُمُ بالدّفء. لكنّه
لم يوجد لذلك. اكشفي عنه بعضك، فإنّكِ إن لم تأخذي المبادرة، عاجلاً أم آجلاً،
ستُعرّيهِ رياح الشتاء.
أكتب لمن يُحجم عن البوح لأنّ في يديه أغلال الكبرياء.
أكتب لمن يدفن أحلامه بحجّة الظروف... لمن يقسو على من حوله بحجّة الطَّباع.. أكتب
لمن يطلب الكثير ثمّ يتراجع إن أُعطي.. لمن يقدّم كلّ شيءٍ ثم يستعيده.. لمن يَعِد
فيخاف أن لا يفي بوعده فيضعُف ويغادر.. إلى من يكسر من حوله وهو يحاول رتق جراحه..
أكتب إلى من يظنّ أنّ الفرص تذهب وتجيء.. وإلى من يظنّ أن الدراما لم توجد إلا في
المسلسلات... أكتب لمن يردّد جملةً، ثمّ ينسِبُها للروايات..
إلى كلّ أولئك
أقول:
الروايات تُكتَب من واقع. والدراما تُستوحى منه.
والمعجزات التي نسمع بها قد حصلت يوماً ما على كوكبنا.
المستحيلات التي لا نؤمن بها لن تحصل. والفرص التي نفرّط
بها لا تعود.
الأسوأ من الكوابيس، من يُصبِح حلم يقظة ثمّ يتوارى. و
الأفضل من حلمٍ، حلم يتحقّق.
وكلّ ذلك يحتاج كمّاً هائلاً من التضحية.
حين تطلب طبقَ طعامٍ غريب عليك، حين تجلس للمرة الأولى
خلف مقود السيارة، حين تجرّب بصبيانيّة أن تحمل لفافة السجائر، حين تحضُر مقابلة
العمل لأولى، حين تشرب أوّل فنجان قهوة عند أهل عروسك، وحين تُعبّر عن مشاعرك
للمرة الأولى. تشعر بدمائك تفور.. بشيء يجنّ في داخلك.. شيء لا يجب أن تفرط به
لأنّك ببساطة تملك حقّ الشعور به..
كن
على سجيّتك دون أن تفرّط بالفرص والأشخاص. ليس عليك أن تمضي حياتك كعاصفة لا تدري
أين ستحطّ رحالها.