في الوقتِ المناسب تماماً لإفراغ الغضب في
سطور، أفقد كلّ قدرة على الكتابة..كلّ قدرة على التعبير.. كما لو أنّ يدي تيبَسُ
عن المشاركة في الإستنكار.
أذكر
تماماً كيف تسمّرت عيناي على صورة طفلٍ مرميّ على الشاطئ، نائماً للمرة الأخير
بسلام.. وقبلها على هيئة إنسان يُحرق.. وقبلها وبعدها على أكوامٍ بشريةٍ لفَظَت ما
تبقّى فيها من حياةٍ إثرِ مركّبات كيميائية كان من الأجدى أن يدرسها الإنسان
ليُطوّر الواقع البائس.. لكنّ جلّ ما حصل كان بداية –عسى أن لا تكون مؤلمة- لرحلة
ما بعد الحياة لأرتال من الحيوات.
كنتُ، حين أقرأ في أدب السّجون، أتفكّر فيما
يدفع إنساناً مظلوماً ليرضخ لسلطة مستبدّة.. كيف يسكتُ من يُهان بسوطٍ أو سباب أو
هتك عرض.. أو كيف لا يقوى جمع السّجناء على الانتفاض والانقلاب ضدّ من لا يشعر
بوخز الضمير.. ثمّ أدركت متأخّرة أن الحياة كلّها ساحُ سجنٍ كبير.. القويّ فيها من
يسترضي جلّاده، والشّجاع من يقوم لِحَقّه، والذّكي من يكون قوياً وشجاعاً في الوقت
المناسب. والحقّ أنّ كلّا منّا جلّاد لنفسه.. يستطيع أن يأبه لحال غيره فيروّض
الأنانيّة التي جٌبِلَ عليها ويحولها إلى إنسانية خالصة لا تتعصّب لجهة فتتوحّش
على ما عداها..
اليومَ أكاد أتغلّب على الصّمت الذي يعتريني
كلّما برزت صورةٌ تمثّل بشاعة العالم الذي نعيش فيه، مع أن لا شيء يُقال أمام
تخاذلٍ أوصل أربعين ألفاً نصفهم من الأطفال إلى حافة الموت جوعاً..
أتكلّم لئلا يُترَك أحدٌ يُحدِّث بتحاذقٍ
فيقول: "أنا ضد التجويع في "مضايا" لأنني أطالب بسياسة الحرق
الكامل"،
ولئلّا يظنّ من يؤكّد أنّ الأمعاء الخاوية
والأجساد التي تكاد تتهاوى لا تعدو كونها "فبركةً إعلامية منذ بداية الثورة
السورية" أن لا أحد مبصِرٌ لكذبه..
ولئلا يتمادى من يوظّف صوراً من مجاعات
أفريقيا -التي كان يدّعي بالأمس ضرورة دعمها - لأهداف هزليّة تحطّ من شأنه لا من
شأن إخواننا في مضايا المنكوبة..
صوركم التي تنشرونها أمام ثلاجاتكم المليئة
بالطعام، مستَخِفّين بإخوة يغلون أوراق الأشجار كي يسكتوا جوعهم لن تؤخر أصحاب
الأيادي البيضاء عن مدّ يد العون، وستكون شاهدةً عليكم يوم القيامة.. إنّ الله
يمهل ولا يهمل.
لدعم #مضايا من لبنان: