Aug 12, 2015

المرّة الأولى





ممدد أنت على السرير. الكل من حولك للمرة الأخيرة. وللمفارقة، هي المرة الأولى أيضاً. المرة الأولى التي يكونون حولك سوية؛
بحب،
ببكاء،
بعويل،
لا لمصلحة ولا لطلب ولا حتى لاستجوابك عن خبر.
المرة الأولى التي لا تبتسم لقدومهم. والمرة الأولى التي لا يتأملون ثيابك فيها لمدح تناسق ألوانها أو اتباعها آخر صيحات الموضه..
الثوب واضح لهم،
لكن البرد الذي يتملك أطرافك،
ينغرز فيهم إبراً كلما فكر أحدهم بلمسك.
عناق اللحظة الأولى تلك، أصبح مخيفاً.
أنت،
الذي كانوا يهرعون لعناقك،
والذي اعترفت أمك بأنها تتمنى لو أنك تمضي عمرك بين كفيها،
صرت شيئاً مخيفاً،
جسداً متيبساً،
حطباً،
حفنة رعب تمنع أحداً من لمسك.
صرت كومة تكاد تتعفن،
نفايات ذات رائحة كريهة..
فضلة يودون لو أنها تعود حياة،
لكنهم يفضلون إرسالك إلى سرير بارد، في غرفة مظلمة ضيقة، ذات سقف رطب وجدران تعتق فيها ماء المطر لتتسربل به جذور الحشائش.
بعد ذلك، سيبكون الليل بطوله. سيحسون بمجاري الدموع تفيض. سيشعرون بأدمغتهم طابات من الألم تتأرجح بين آذانهم. ستتورم مقلهم، حين تخرج إلى غير رجعة، وسيشدون على أيدي من بقوا، كما لو أنهم يرجونهم أن لا يغادروا هم أيضاً.
سينتحبون،حتى يشعروا أن ضرب رؤوسهم بالحجارة ربما قد يخفف ألم الفراق.
سينعونك على وسائل التواصل الاجتماعي،
سيصورون قبرك، مع باقة ورد ربما لم تحصل على مثلها في حياتك، وسيدعون لك بالرحمة.
سيقولون كان، ولم يكن مثله،
سيمتدحك من كان يغتابك،
وسيعرف قيمتك من كنت تداريه،
وسيندم من كان أحزنك،
سيحتضنون الوسائد والصور،
حتى يغفوا..
ثم حين يستيقظون،
سيبكون قليلاً،
ثم بقليل من الأصباغ سيخبئون الهالات السوداء،
وستغطي السيدات تورم أعينهن بقليل من فاقع اللون،
ثم سينطلقون بحجة أن الكون لا يقف لأحد،
وأن الحياة لا تتعثر بموت أحد،
ثم ستمضي الأيام،
وسينسونك.
وحده من يذكرك بعد مئة عام،
وتدمع عينه،
ويجفّ حلقه،
ويضطرب كفّاه،
سيعزّيك،
ويثبت أنك لم تكن رخيصاً..كثيراً.
August 12, 2015Top of Form
Bottom of Form