Mar 22, 2015

كتب بغير قصد: حكم عليّ بالمدرسة

الطّفلة المدلّلة، أنا، حُكِم عليها بالمدرسة! في هذا العام المبلللة بدايته بالدموع، تعرّفَتْ على مكانٍ سيحتويها لأكثر من نصف النهار طوال الإثني عشر سنة القادمة. سيقت إلى غرف بدت كئيبة بادئ الأمر.. هي ذاتها التي ستعود لترى جدرانها التي نعتتها بالكئيبةِ مطليّةً، فتتحسّر على الذكريات التي غطّاها الدّهان ليبهر أعين الأطفال.. 


في تلك الصفوف تعلّمَتْ أنّ للأوراق ذاكرة، وأن الأقلام مفاتيح تخزين. فحملت قلمها معها أينما ذهبت: في الصف، والملعب، والمنزل. وفيها أيضاً ضحكت وبكت ببراءة..

 تقاسمت طعامها مراتٍ مع أصدقائها، وطعامهم مرات أخرى. حكّمت حساسيتها المفرطة في النّزاعات فحزنت نهاراً، ثم طِيبتها، فنسيت النزاعات ليلاً. وكم استغربت لاحقاً كيف أمضت تلك الساعات الطوال مع أشخاصٍ لم تسمع عنهم خبراً مذ غادروا الصف لآخر مرة سويةً.. وكيف توطدت علاقتها بعد سنين من الفراق بمن لم يحدث أن جمعهم حديث عابر في رواق المدرسة! لم تدرِ إن كان يتوجب عليها في ذلك السنّ أن تقدّر أن أولئك الأصدقاء الذين جمعهم كأس الحليب اليومي حول الطاولة المستديرة لن يجمعهم سقفٌ تحته مجدّداً.. وأن أقلام التلوين التي تشاركوها يوما مقتتلين على لون منها أو أكثر ليست إلا عينة صغيرة من خلافات متجذرة في طباع بني آدم وحواء..


حين دخلت الصف أول مرة بكت.. وبالدموع المالحة ذاتها انتهت زياراتها اليومية لذلك المبنى بعد اثني عشرة سنة. أما الذين ضحكوا منها في اللقاء الأول فلم يختلف حالهم مع مرور الوقت. هي لم تداري دموعها أو تخجل بها.. فليس يخجل من يحزن لفراق ذاك الكمّ من الأصدقاء، والأساتذة، والمكان الذي توزّعت عليه بصماتهم اتكاءً وتدافعاً ولمساً.. بل هو، الذي لا يحزن،  قد أضاع الكثير من الوقت في أسرة لن تعنيَ له أكثر من محطة لعابر سبيل.