قررتُ ببراءة الأطفال أنني أريد أن أسير يوماً تحت الشتاء. أنا التي اعتادت صقيع البقاع وشتاءه، لم أظن أن شتاء مدينة ما سيكون شلالاً بالمقارنة مع شتاء القرية الأقرب إلى دموع بَكَّاء. وعندما اضطررت أول مرة للوقوف تحت شتاء بيروت بانتظار سيارة الأجرة بعد أن رفضتُ تكراراً عرض أمي صباحاً أن آخد وشاحاً إضافياً أو مظلة، تبللت حتى لم أعد صالحة لأن تُقلني أي سيارة! ضحكت في قرارة نفسي من كثرة الحزن. ما أجمل المطر من خلف الزجاج!
**
تكنس أمي يومياً أوراق الخريف، يلومها خالي على تخريب اللوحة الجمالية الطبيعية.
في أميركا، أتأمل التلال الشاسعة تغمرها أوراق الأشجار الملونة في لوحة خلابة لا يضاهيها رسم أي فنان.
على شرفة منزلنا السابق، تهبط أوراق العرائش والأشجار كأنها أكياس تُملأُ وتُفرَغُ قصداً. أفكر في تركها لوحة خلابة، ثم أتذكر البلاط الذي سيفسد، والحشرات التي ستحب قضاء بعض الوقت تحت لحافها الوثير، فأمسك المكنسة آسفة وأحدث نفسي: ما أجملَها من بعيد!
**
بعض طلاب المدارس والجامعات، وآسف لقول ذلك، يعتمدون الغش وسيلة أولى للنجاح، وقد يبتغونها للتميز أيضاً. ينسون تماماً أنّ النجاح بالغش يمنع عنهم المنفعة المقصودة بعملية التعلّم، وهو حل مؤقت قد يشكل عقبات أمامهم في سوق العمل. أما في فئة طلاب الدراسات العليا، فيقل هذا الاحتمال، وأعزو ذلك لكون خيار استكمال الدراسة ما بعد الجامعية يكون نابعاً عن قرار شخصي لا عن قرار يجتمع فيه الضغط النفسي ورغبة الأهل وتوقعات المجتمع. أحياناً يلزم الاقتراب من الذات للتحقق من الرغبة!
**
قد نكون خلف نافذة نشاهد المطر فنتمنى لو أننا تحته، ولو أننا تحته لتمنينا نافدة تقينا إياه.
وقد تكون اللوحة أجمل من بعيد، مليئة بالعيوب لو اقتربنا أكثر من اللزوم.
وقد نبتعد عن ذاتنا كما لو أنها اللوحة الأجمل من بعيد، فيما نحتاج أن نقترب لنرمم الكسور ونغلق الثقوب.
**
قد يكون القريب صحيحاً، وقد يكون البعيد أسلَم؛ العبرة بموقعك من الأمور.
حنان فرحات | بيروت
20-12-2021