Dec 12, 2016

في البَرْد

البرد أزيز الباب، وحفيف الكفّين ذهاباً وإياباً يحتكّان، وزفيرٌ يحمل من الباطن أملاً بالدفء يخرج على شكل ظل غمامة.. والبرد أوصال ترتعد، ورُكَبٌ تهتز، وأسنان تصطك. وهو الأبيض يغطي الأرض ملحاً وفيراً، والثلج يذوب نهراً غزيراً، والمياه تشتاق إلى الأرض فترمي بنفسها من سطح المنزل، والسطح يتمسك بمياهه فيجمدها أشواكاً مسننة، والشمس تستميحه أن يسمح لها بالنزول.

والبرد وحدةٌ قرب المدفأة، وغيرة من أخشاب تحترق متكاتفةً في حضنها. والبرد فكرة تجتاح سكون الليل فتأجج الاشتياق. والبرد همسة تنقل خبراً سيئاً، ونظراتٌ متسمرة عليك كأنها تقرأ ما يدور في خلَدك،  وهمزات أصدقاء في غيابك، ولمزات أقرباء في ضعفك.

البرد نصل سكين هو أهون الأمرّين، وجِلسةٌ منكفئة في زاوية، وساعدان متشابكان علهما يتدفآن.

والبرد جندي من جنود بلادي يؤدي واجبه،  وحارس ليليّ هو الساهرة عينه، وطبيب في غرفة التخدير، وعاملٌ عمله في سبات، وطائر أضاع سربه المهاجر، ونملة متأزرة بحبة قمح دهسها الجهل، ونحلة مختبئة في قفيرها إلى حين يأتي الربيع.

والبرد صحن فارغ، وبالٌ مشغول، ويد منهمكة.
وهو كفّ تغسل وتطهو وتنظف.
وأما أشدّه فبدنٌ متيبس، طعامُ الدّيدان.