Nov 18, 2024

غدا

هل نكتب قصة أخرى؟

قصيدة،

مكسورة الأطراف،

لا تعجب أعزّ الناس؟

نشذّب أطرافها، 

كشجرة، 

كانت أقصى أحلامها أن تثمر،

فشذّبها فلّاح،

يده ليست بخضراء،

فلم يعد لها حلم..

ولم يشتد عودها..



هل لنا صوت،

بعد صوت الصاروخ،

نثني أعناقنا حين نسمعه،

كأننا نفوت الموت للمرة المليون..



هل لنا صورة، 

تعجبنا حين يحلّ الرحيل؟

هل لنا أغنية مفضلة؟

آية قرآنية تعتلي الخبر،

ولا يكاد يُحزن علينا،

إذ تكثر الخطوب،

وتتوالى الأرقام،

ولا تبقى أوراقنا..

ولا حواسيبنا..

ولا كلمات السرّ لبريدنا..



هل لنا كلمة أخيرة، 

قبل الوداع..

هل كانت إلى اللقاء؟

أم "يا فرج الله"،

أم " الله بيعين"..



هل كان لنا موعد مشترك،

أهداف بعيدة..

خطط، ووعود..

هل كان لنا عمرٌ، ننتظره،

ليس لنا..



هل لنا غدٌ،

أو غداً،

مربض في الجنة،

على قدر طموحاتنا،

أو على قدر أعمالنا..

أو على قدر رحمة الله..



هل لنا من إجابة، 

تتسع لكل الأسئلة؟



 ١٨ ت٢ ٢٠٢٤
بيروت




Nov 14, 2024

قبل غد - ١

قبل غدٍ..
رفيقتي الصغيرة، معكّرة سكوني، العابثة بقلبي ومشاعري وكلماتي، ابنة قلبي، شهد.. 
بعد أربع وثلاثين رسالة لك، كتبتها على مدار ثلاث سنين ونيف، قلتُ فيها أقل بكثير مما أريد، ولكن أكثر مما أريد أن أجهر به، وبعد تأجيل يوميّ على مدار المدة ذاتها، لأسباب لا يمكن اختصارها ببضع أسطر، أبدأ الآن معك رحلة جديدة، شعارها "قبل غدٍ".. أكتب لك فيها أسبوعياً ما يدور في بالي، وما يطرأ على حالنا، على نيّة أن لا أضطر إلى سرد الحكاية غداً، فلا أذكرها.. لا أستطيع الجزم بأنني سأكمل مشوار الأربع عشرة أسبوعاً، ولا أنّك ستستمتعين بقراءتها مستقبلاً... لكنني على الأقل سأكون قد حاولت.. 
--
مساء الخير، 
لا أستطيع أن أقولها دونما استحياء، بعد سويعات من مجزرةٍ كانت آخر ما قرأت، استهدف فيها العدو الاسرائيلي مركز الدفاع المدني في بعلبك.. كان رجاله يستعدون لتناول العشاء، حيث ذهب أحدهم ليحضر فروجاً مشوياً، وحين عاد...
ليتنا نستطيع اختلاق نهاية سعيدة.. 
ولعل هذه القصة لن تغير كثيراً في مجرى حيوات الكثيرين.. سيفجع البعض، ويستمر الباقون كأن شيئاً لم يكن. فقد سبق ذلك الاستهداف، مئة وتسع عشرة استهداف في أربع وعشرين ساعة...
أما أنا، فأقبع في غرفة الجلوس، أستمتع للأبواب تخفق على مهل، فأعلم أن مبنى للتوّ قد انهار إثر تفجيره في ضاحية بيروت الجنوبية. صديقة تسكن في إحدى ضواحي بيروت الأخرى تؤكد أن بيتها يهتز، فيما زميلات كثر تركن منازلهن في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ ما يقارب الشهرين، كل يوم ينتظرن خبراً أنّ مخازن ذكرياتهنّ لا تزال على قيد الحياة.
ثمّ تخطر لي فكرة الكتابة، فأسأل نفسي، من أنا لأكتب؟ وماذا عشت؟ ألست آكل، وأشرب، وأجلس على أريكتي، تحت سقف بيتي، مع كوب المتة الخاص بي؟ وإن يكن، صوتُ صاروخ يعكر صفو اللحظة مرات عديدة في اليوم؟ وإن تكن طائرة ال MK تئزّ طوال النهار وأحياناً شطر الليل؟ وإن تكن شرفاتنا مطلّة على نكبات كثيرة؟ وشوارعنا مكدّسةَ فيها السيارات التي لم يعد لأصحابها بيوت، ولا لها مواقف.. وإن تكن صديقات لي فقدن آباءهن؟ وأخرياتٌ فقدن أزواجهن؟ وآخرون صاروا يعدّون ما تبقى لأنّ ما فُقِد لا يحصى...؟ 
أتجرّأ وأفتح الحاسوب فأتذكر أهمّية الإتقان. أخطو إلى الخلف.. وإذ أُمَنّي نفسي بتحسّن الأسلوب مع الممارسة، أتذكر جملة تغزو فكري كل فينة وأخرى.."لا أريد أن أنجح على حساب آلام الأخرين"... فأعود إلى الخلف خطوتين.. وآظل أقفز من خاطرة إلى أخرى، ويصبح رجوعي هرولة، ثم جرياً، ثم حين أتوقف لألتقط أنفاسي، أجد نفسي بعيدة جداً.. حيث لا حاسوب ولا قلم، بل صفحة بيضاء أمام عيناي، امتلأت بأسئلة كثيرة.. ولا إجابات..
من هناك، في الخلف البعيد جداً، أبدأ رحلتي الجديدة في الكتابة، حيث أكاد أغرق في عقدة النّجاة.. تحيط بي النّعم من كل حدب وصوب، حتى لأخجل من أنّةٍ أو تذمّر أو شكوى.. ولكنني أعزم على توثيق اللحظة، أن أحبس أفكاري في ملفات افتراضية، وكل ما قد يشكّل عندي ردات فعل أو تغييرات في السلوك، قد تضطرين أن تفكري طويلاً لتفهمي أسبابها مستقبلاً.. 
ماذا لو أخبرتك يا ماما، إنك في خضمّ هذا التخبّط كله، إذ أكملتِ أربع شهور من بعد العامين، قد تعلّمتِ قول "يا الله" منذ أسبوع.. كم توقيتك مذهل! تتأففين بها، وتتخيّرين طلباتك ثمّ تسبقينها ب"الله"، وتحشرينها حيث استوى معناها وحيث لم يستوِ.. ليتك تعلمين الآن يا ماما أنّ هذه الكلمة ستغنيك عن كلّ رغبةٍ بالاحتواء.. لن تضطري بعد اليوم إلى حشر قدميك الصغيرتين بكل علبة صغيرة أو وعاء تجربين إن كان يتّسع لك... فهذه الكلمة هي الحضن الأوسع، والملجأ الآمن، وفيها المتّسع من كلّ ضيق، والفرج من كل غمّ..
لقد عزمت أن أحدّثك في رسالتي الأولى لك ممَّ أخاف.. أمّا الآن، بعد أن ذكرتك، فقد رقّ قلبي وهدأ.. لذا، أترك إجابتي لرسالتي القادمة، إن كتب الله لنا عمراً..
قبلاتي،
حنّونتك،
بيروت | 15-11-2024

Nov 1, 2024

أنا بخير ولكن..

أنا بخير، ولكن..



ألو،

أنا بخير، ولكن..

نافذتي المشرفة على البحر صارت جزءاً من البحر،

وغرفتي التي يجتاحها الصخب نامت أخيراً،

وفستاني المفضل أصبح فستاني الوحيد..



أنا بخير، ولكن..

أخي وعيناه اللتان بلون القهوة صاروا رماداً،

ودراجته التي ودّ لو يزور بها أحلامه صارت حطاماً،

ولم يبق منه إلا حذاء أنتعله على عجل في طريقي إلى الذكريات..



أنا بخير،

ولكنّ أختي، 

التي صففت شعرها الأسود العادي،

ورصفت كلماتها بعناية على دفترها المدرسي،

وسألتني كلما لاح في عيني الحزن، لمَ أبكي،

بصوت أمّ،

بعثر الموت شعرها قبل أن تضيع خصلاته بين الركام..



أنا بخير ولكن،

قطتي التي لم يحبها أحد،

وأصيص وردتي التي لم تعش،

وكرّاسة أهدافي اليومية، 

كلها بقيت في "البارحة"،

حيث يمكن للأشياء العادية أن تكون..




أنا بخير ولكن،

لم يعد الماء ماءًا..

ولم يبقَ لي جدارٌ أتكئ عليه،

وكل الأكتاف ملّت البكاء...

أنا بخير ولكن، 

هل أستطيع ألا أكون بخير؟




حنان فرحات | بيروت

١ ت٢ ٢٠٢٤